آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


كتب و مؤلفات

   
لطائف قرآنية: معايشات فكرية ولغوية ووجدانية

لطائف قرآنية: معايشات فكرية ولغوية ووجدانية

تاريخ الإضافة: 2018/12/22 | عدد المشاهدات: 5821

الناشر: عالم القرآن الكريم، ودار فصلت/ سورية، حلب.

القياس: 17*24

عدد الصفحات: 240

القرآن الكريم، ذلك العجَبُ الهادي

دعوةٌ إلى إعادة اكتشافه مع لطائف قرآنية

لا يزال القرآن الكريم مُذ فجأَ الوحيُ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلَّم بكلماته الأولى إلى يومنا هذا آخذاً بألباب العارفين به مُدهشاً لهم.

كما لا يزال مثيراً لحَيرة المناوئين، يتخبطون في آرائهم عنه وأقوالهم فيه خَبْطَ الملأ من قريش، الذين أتى القرآن على الغاية في وصفهم وتصوير تردُّدهم وحَيْرتهم أمامه؛ كما في قوله تعالى: ﴿بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون﴾.

ويقابل هذا الموقفَ المضطرب مواقفُ أخرى أثبتَها القرآن الكريم، ومنها موقفُ الجنِّ الذي حكاه فأولاه سورةً كاملة سميِّت باسمهم، وقال فيها: ﴿قل أوحي إليَّ أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآناً عجباً. يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحداً﴾.

لقد وصفت الجنُّ القرآن الكريم بصفتين اثنتين تصلحان عنواناً لمحورين هامَّين من محاور دراسته؛ فالقرآن عَجَبٌ من جهة، وهو يهدي إلى الرُّشد من جهة أخرى.

ويذهب ظنِّي إلى أنَّ محلَّ العجَب في القرآن ذاتُه، ومحلَّ الهدى أثرُه:

فالقرآن في ذاته عَجَبٌ للناظرين: عجَبٌ في بُنيته وتركيبه وانتظامه، وفي توافق وحداته ومفاهيمه وأساليبه وانسجامها؛ وحريٌّ بمناهج البحث وعلوم دراسة النصوص التي لا تنفكُّ تتطور كلَّ يوم أن تكون نتائجها مصداقاً لقول النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلَّم عن القرآن: (ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلَق على كثرة الردِّ) بل يتجدَّد بتجدُّد أسئلة الباحثين فيه.

والقرآن في رسالته وأثره رُشْد للمهتدين: أي للإنسان الباحث عن صلاح في نفسه وإصلاح في عمله، وبعبارة أخرى: للإنسان الساعي إلى فَهْم السُّنن, "ونحن نقول عن شخص ما: هذا إنسانٌ راشد. إذا فَهِمَ السُّنن والعلاقات الاجتماعية والكونية فهماً متوازناً صحيحاً".

ولا شكَّ في أنَّ استخراج مواطن العجَب وسُبُلِ الهدى في القرآن يستلزم منَّا عودةً إلى القرآن لنعيدَ اكتشافه، عبر تواصل مباشر ومعايشة حميمة بيننا وبينه، وذلك بتلاوته وقراءته وتدبُّره، وهي المصطلحات التي أجمل فيها أستاذنا الدكتور محمود عكام واجباتنا حيال القرآن الكريم.

1- أمَّا التلاوة: فتنصرف إلى العناية بضبط اللسان أولاً عند النطق بالقرآن، وما يتصل بذلك من علوم كالتجويد والقراءات، ثم هي تشمل كلَّ الأمور الخارجية المتصلة بالظاهرة القرآنية، كنقل القرآن وتدوينه، وما ولَّده حوله من آثار وأعمال.

2- وأمَّا القراءة: فتُعنى بفهمه ودراسة مفاهيمه وأساليبه، وتشريعاته وأخباره، ولغته وبيانه، وكلِّ ما يتعلق ببُنيته الداخلية.

3- وأمَّا التدبُّر: فهو يعني التثقُّف بالقرآن، بناء على أن الثقافة كما يعرِّفها أستاذنا المؤلف هي: تحويل المعطيات المعرفية إلى سلوك يصبُّ في هدف واضح بما يعزز إنسانيَّتي.

وما هذه اللطائف القرآنية التي نشرُف بتقديمها اليوم إلا واحدةٌ من القراءات المحتملة للقرآن، وهي حافلة بالكثير من العجب الذي يكتنف عليه القرآن الكريم، إلا أنَّها تسعى في غايتها إلى تدبُّر أمثل لهذا الكتاب المجيد، نستشفي به من أدوائنا التي اعترتنا بكلِّ سوء.

"فهذا القرآن شفاءٌ للناس من الأمراض التي تعتري قلوبهم وعقولهم ...، كالشكِّ أو الرَّيب أو التِّيه أو الضَّياع ...، وكالقلق والاضطراب والحُزن والكآبة.

فالقرآن يشفيك: أي يُصحُّك ويسوِّيك ويجعلك في حالة استعدادية فائقة.

والقرآن يرحمك أيضاً: أي يُبيِّن لك قواعد العطاء النافع من أجل أن تتبنَّاها وأن تقوم بها؛ فالقرآن الكريم لم يأت من أجل أن يجعلك إنساناً سليماً فقط، ولكن جاء من أجل أن يجعلك سليماً في ذاتك، وأيضاً من أجل أن يجعلك نافعاً لغيرك خيِّراً".

لقد اختار أستاذنا المؤلف لهذه اللطائف أن يدعوها "مُعايشات" وفي هذا الاختيار رسالةٌ مفادها:

1- إنَّ هذا القرآن أرضٌ طيبة معطاء، وهي تعطي من خيرها كلَّ من يمرُّ عليها، إلا أنَّ عطاءها بمقدار ما يمنحها الإنسان من نفسه وعقله وفكره، فليس من مرَّ بالقرآن عابراً كمن صادقه، وليس من صادقه كمن عايشه، وليس من عايشه كمن عاش به حتى كان خلقه القرآن.

2- نحن مدعوُّون من أجل أن نحفظ لمن بعدنا إنتاجاً يتمحور حول القرآن، تتجلَّى في هذا الإنتاج شخصيتنا، ويرى فيه الآخرون عصرَنا، لا عصر من سلفنا، والعصر كما يعرِّفه أستاذنا المؤلف هو: "الزمن الذي يَكنُفُك أنت أيها الإنسان بإنتاجك دون غيرك، ويحيط بك ويحوطك، وتُنسب إليه ويُنسب إليك... لقد أقسم الله عزَّ وجلَّ بالعصر، واختاره من بين الزمن والوقت والعمر لأنه يريد من الإنسان أن ينتج، ... فإذا أنتج وفعل أشياء جيدةً ونافعة له ولغيره فهو عصره، وإذا أفدنا الإنسانية في دنياها وأخراها فهذا عصرنا.

ولذلك أقول:

انتبه أيها الإنسان إلى إنتاجك في زمنك، لأن الله عزَّ وجلَّ يقسم بزمنك، وهو لا يقسم إلا بعظيم، فأنتجْ فيه وإلا فلن يستحق زمنك أن يُقسَم به، وعِشْ عصرك؛ وإذا لم تعشْه وأخذ الزمانَ غيرُك فالعصر عصرُه، أما أنت فخارج القسَم وخارج التعظيم وخارج العصر".

أخيراً:

هذه اللطائف بعضٌ من تفكيرٍ ووجدان وذوق وعرفان، أثمرتها معايشةٌ حميمة للقرآن الكريم، وترحالٌ دائم في أنحائه الرحبة، وحرْثٌ دائب في أرضه المعطاء الخيِّرة، وثَّق فيها أستاذنا المؤلف ما لاح له من معان وهو يقرأ آيةً أو يسمعها من فم قارئ، جاهداً في أن لا يخرجَ عن المعتمد في اللغة والمنطق والدلالات وسائر فنون علوم الآلة، ننشرها اليوم في كتاب ابتغاءَ أجر وفائدة ونُصح، بعد أن استمع إليها روَّاد جامع التوحيد الكبير بحلب عقب صلاة الجمعة من كل أسبوع.

وقد فرض تحويل المسموع إلى مقروء أن يقوم معدُّ الكتاب باختصار بعض الأمثلة والتوضيحات التي يقتضيها الكلام الشفهي ويستغني عنها المكتوب.

كما اجتهد المعدُّ في أن يعلِّق على بعض الأفكار بما يعززها أو يتمِّمها، فنقل عن علماء اللغة والتفسير وغيرهم بعضاً من آرائهم ونظراتهم؛ وقد جاءت هذه المنقولات غفلاً من الإحالة إلى الجزء والصفحة، لأنَّ كثيراً منها أُخذ عن نسخ الكترونية للكتب، فأرجو القارئ الفاهم الكريم أن يتَّسع صدرُه لهذا.

ختاماً: رحمة الله وبركاته على عليٍّ كرَّم الله وجهه وهو القائل: "واعلموا أنَّ هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغشُّ والهادي الذي لا يضلُّ، والمحدِّثُ الذي لا يكذب، وما جالس هذا القرآنَ أحدٌ إلا قام عنه بزيادة أو نقصان: زيادةٍ في هدى، أو نُقصان في عمى. واعلموا أنه ليس على أحد بعد القرآن مِنْ فاقة، ولا لأحد قبل القرآن مِن غنىً، فاستشفوه من أدوائكم، واستعينوه على لأوائكم، فإنَّ فيه شفاءً من أكبر الداء، وهو الكفر والنفاق والغَيُّ والضلال.... ألا إن كلَّ حارث مبتلىً في حرْثه وعاقبة عمله غيرَ حَرَثة القرآن، فكونوا منْ حرثته وأتباعه، واستدلُّوه على ربِّكم، واستنصحوه على أنفسكم، واتهموا عليه آرائكم، واستغشُّوا فيه أهواءَكم".

ثمَّ الصَّلاة والسَّلام على الهادي بأمر الله، إمام الخير ورسول الرَّحمة، من بلَّغ القرآن بصدق، وبيَّنه بأمانة، واجتهد ناصحاً في هداية الأمَّة، وهو الذي يقول: (إنَّ هذا القرآن مَأدُبة الله فاقبلوا منْ مأدبته ما استطعتم، إنَّ هذا القرآن حبلُ الله، والنورُ المبين، والشفاءُ النافع، عصمةٌ لمن تمسَّك به، ونجاةٌ لمن تبعه، لا يزيغ فيُستعتَب، ولا يعوجُّ فيقوَّم، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلَقُ من كثرة الردِّ).

فإليه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم منَّا أصدق الولاءِ بعد أعظمِ الثناءِ، والحمد لله ربِّ العالمين.

محمد أديب ياسرجي

التعليقات

dhiaa

تاريخ :2013/03/31

جزاكم اللهم خيرا على كل ماتقدمونه لخدمة الاسلام والمسلمين وحفظك الله

شاركنا بتعليق