آخر تحديث: الأربعاء 17 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
السداد والثبات على الحق

السداد والثبات على الحق

تاريخ الإضافة: 2018/12/12 | عدد المشاهدات: 5718

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

رحم الله شهداءنا الأبرياء، وحفظ أوطاننا من كل مكروه.

أيها الإخوة:

إذا كان الإنسان أحياناً بل أحايين بينه وبين نفسه يقول: هل أنا على حق فأثبت، أما أنا على غير حق فأجتهد من أجل أن أتحول إلى الحق ؟ أعتقد أن كثيراً منا يتساءلون بينهم وبين أنفسهم ويطرحون على أنفسهم هذا السؤال.

أيها الأخ، أيتها الأخت، أيها الناس، أنا أقول لنفسي ولكم يا أيها الإنسان إذا كنت تؤمن بالله من قلبك ومن عقلك فأنت على حق، وإذا كنت تحتكم إلى ربك عبر الطريق الصحيحة الموثقة وتقول لربك سمعنا وأطعنا فأنت على حق، وإذا كنت تأتسي بالمصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في سلوكك وحركاتك وسكناتك عبر الطرق الصحيحة المنقولة عنه صلى الله عليه وآله وسلم فأنت على حق، وإذا كنت ممن لا يقفُ: ﴿ولا تقفُ ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً﴾ فأنت على حق، أما إذا كنت تقفُ ما ليس لك به علم فلست على الحق، إذا كنت ممن على مثل الشمس يشهد فأنت على حق، لكنك إن كنت تشهد على الظلام على أنه شمس فلست على حق، إذا أقرَّ قلبك واطمأن إلى شيء ما، إذا اطمأن قلبك الذي حدثنا عنه سيدنا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم عندما قال: (والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وكرهت أن يطلع عليه الناس) وعندما قال: (البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب) عندما يطمئن قلبك الحقيقي لشيء ما فأنت على الحق، إذا كنت تؤمن بالله وتتبع رسول الله عبر الطرق الصحيحة إذا كنت لا تكذب على النبي فمن كذب عليه متعمداً فليتبوأ مقعده من النار فأنت على حق، إذاً: إذا كنتَ كل هذا فأنت على حق، وإذا كنت على حق فأنت تحتاج إلى صفة هي موضوع حديثنا، هذه الصفة هي الثبات، نحن ندعو ونقول: اللهم إنا نسألك الثبات - على ماذا - على الحق، قد ذكرت لك بعض ملامحه وتفاصيله، لذلك إذا أردت أن تدعو مثل هذا فأضف إليه كلمة من أجل أن تتصور ما قلته لك، قل: اللهم سدِّدني وثبتني، الثبات بعد السداد، إذا لم تكن مُسدَّداً وإذا لم تكن على الحق فإنك إن دعوت الله عز وجل بالثبات فأنت تدعو بالثبات على ما أنت عليه من غير دراية ومن غير تمحيص لما أنت عليه فلربما أنت على الباطل وأنت تظنه الحق، وربما كنت على وهم وأنت تظنه الحق، لذلك قل اللهم سدِّدني وثبتني، إن كنت على الحق وفق ما ذكرنا فهيا إلى الثبات عليه من خلال ما ذكرنا، إذا كنت تؤمن بالله وتتبع رسول الله عبر الطرق الموثقة الصحيحة وإذا كنت لا تقفُ ما ليس لك به علم وإذا كنت تشهد على مثل الشمس وإذا كنت متبيناً إن جاءك فاسقٌ بنبأ فهيا إلى الثبات، متى تحتاج إلى الثبات أكثر من أي وقت آخر أو من أي ظرف آخر ؟ عندما تُشكِّك أو عندما تُدعى إلى التشكيك عندما يُعرض عليك الشك من قبل من يشكك فأنت آنئذ تحتاج إلى الثبات على الحق الذي انطوى عليه قلبك وعلى الحق الذي انطوى عليه عقلك وقلبك وفؤادك وذراتك، شُكِّك سيدنا أبو بكر رضي الله عنه في الإسراء والمعراج كما جاء في كتب السيرة النبوية الصحيحة، قيل لأبي بكر انظر صاحبك أي انظر محمداً يزعم أنه في ساعة من ليل ذهب به إلى بيت المقدس ورجع به ونحن نضرب أكباد الإبل شهراً غدواً وشهراً رواحاً وهو يزعم أنه في ساعة من ليل ذُهب به إلى هناك ورجع به، فقال أبو بكر رضي الله عنه كلمته المشهورة: "إن كان قالها فقد صدق". نحن نتحاكم إلى رسول الله بالسند الصحيح وإلى القرآن وإذا قال القرآن أمراً وثبت ذلك فسمعاً وطاعة وإذا قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أمراً وثبت ذلك فسمعاً وطاعة، و: (صدق رسول الله وكذب بطن أخيك)، نحن نحتاج إلى الثبات عندما يشكك مشكك، قيل للإمام علي رضي الله عنه وأرضاه هل تؤمن بالجنة والنار ؟ فقال: نعم. قيل له: هل رأيت الجنة والنار بعينيك ؟ وأنت الرجل الذي لا يتوهم ؟ فأجاب رضي الله عنه وهذا ما ينبغي أن نجيب به إذا كنا في نفس الظرف أو في ظرف مماثل مشابه: "لقد رأيت الجنة والنار بعيني رسول الله وعينا رسول الله أوثق من عيني". أنت تحتاج إلى الثبات أمام التشكيك أولاً.

ثانياً: أنت تحتاج إلى الثبات أمام الترهيب والوعيد، جاء في البخاري أن خبَّاب بن الأرتّ جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم والرسول متكئ في ظل الكعبة فقال يا رسول الله ألا تدعو لنا ألا تستنصر لنا، وكان الرسول متكئاً فجلس وقال: (إنه كان فيمن كان قبلكم يؤتى بالرجل - يُرَاود عن دينه - فينشر بمنشار الحديد ما بين لحمه وعظمه ما يصدُّه ذلك عن دينه، والله ليُتِمَّنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون.(

وقد قلت لكم إن الاستعجال هنا طلب الثمرة من غير بذل الرأسمال نريد ربحاً من غير رأسمال، هذا استعجال مرفوض، نحتاج إلى الثبات أمام الوعيد، فرعون هدَّد السحرة عندما آمنوا قال لهم: ﴿آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذاباً وأبقى. قالوا لو نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقضِ ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وأكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى﴾.

تحتاج إلى الثبات عندما تؤمن بأن وطنك يحتاج إلى يد تحميه، يحتاج إلى قولة طيبة، إلى كلمة طيبة، يحتاج إلى يدٍ تداريه ترحمه، عندما تؤمن أن وطنك يحتاج إلى أبناء بررة يرعونه ويحمونه من كل مكروه، ينشرون في أرجائه الأمن والأمان والطمأنينة والاستقرار والازدهار، أنت تحتاج إلى الثبات أولاً عند التشكيك، وثانياً عند الترهيب والوعيد.

ثالثاً: عند الترغيب والإغراء، جيء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما في صحيح السيرة فقيل يا محمد إن كنت بما جئت به تريد مالاً جمعنا لك حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت بما جئت به تريد ملكاً ملَّكناك علينا، وإن كنت بما جئت به تريد نساء زوَّجناك أجمل بناتنا وإن كان هذا الذي يأتيك شيئاً من الجن طلبنا لك الطب. فوقف النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال وردّد المقولة التي نرددها: (والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه). لن أعدل عن محبة ديني ولن أعدل عن محبتي لرسولي ولن أعدل عن محبتي لقرآني ولن أعدل عن الاحتكام إلى ديني لن أحتكم إلى هوى، لا إلى هوى غربي ولا إلى هوى شرقي سأحتكم إلى ربي، هيا فلنحتكم إلى هذا القرآن والمخطئ والظالم هو من ابتعد عن القرآن الكريم وعن السنة الشريفة، نحتاج إلى الثبات أمام التشكيك والترهيب والترغيب.

تسألني كيف أتحلى بالثبات، حدِّثني عن عوامل تقوِّيني على التحلّي والتحقق بصفة الثبات، أقول لك:

أولاً: الزم القرآن الكريم، ﴿واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا﴾ لازم القرآن الكريم، فها هو رمضان قد أقبل علينا، ورمضان شهر القرآن فلازم القرآن وقد قلت مرة عبارة وما زلت أرددها: جاءني شاب فقال لي يا سيدي أريد أن أسافر لأتابع الدراسة في بلد غربي فبمَ تنصحني ؟ قلت له أنصحك أن تقرأ في كل يوم من المصحف وإن كنت حافظاً بعضاً من آيات الله عز وجل لأنك إن نظرت إلى المصحف وإلى كلام الله عز وجل فإنك تنظر إلى المحفوظ، وتلتزم المحفوظ، ومن التجأ إلى المحفوظ حُفظ، ومن تمسَّك بالمحفوظ حُفظ، أوليس الله قد قال: ﴿إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾ القرآن محفوظ فتمسّك بالمحفوظ تُحفظ.

ثانياً: لازم الصادقين الذين يبتغون وجه الله عز وجل، الذين لا يريدون علواً في هذه الدنيا: ﴿تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين﴾، لازم الصادقين: ﴿اتقوا الله وكونوا مع الصادقين﴾، ﴿وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين﴾ ملازمة الصادقين تثبتك لأنهم يثبتونك لأنهم يحمونك ولا يشقى بهم جليس.

ثالثاً: بالعلم والمعرفة، العلم يُثبِّت، العالم يثبت لأن الأمر ثبت لديه، هذا الذي تحدث عن كروية الأرض وحركتها قيل له ارجع وإلا ستقتل قال لا أرجع عن شيء ثبت لدي. لكننا اليوم نعاني من أنصاف علماء، أو من أوهام علماء، أو من بعض من يتوهم أنه متوهم للعلم، فهذا لا يمكن أن يكون ثابتاً لأنه لا يملك شيئاً يثبت عليه بالعلم والمعرفة الموثقة المحققة، يا طلاب العلم هيا إلى العلم، هيا إلى الثبات على العلم الموثق، هيا إلى العلم الموثق من أجل أن تثبتوا عليه وإلا قل لي بربك إن كنت تسمع فتوى من هذا أو ذاك، هذا يقول لي جاري أفتى لي وثان يقول لي بأن فلاناً جاري في المدينة في السوق أفتى لي وثالث ورابع يقول لي جارتنا حدثتني عن خالها بأنه قال كذا وكذا وأنا أقول له مثلاً الأمر الفلاني هو الذي يصح شرعاً وإذ به يقابلني بكلام حدثني جاري وحدثتني جارتي وحدثني عمي وسمعت وأنا صغير من شيخ كان في حارتي ويريد مني أن أعد كل ذلك علماً، تلقيت هذا اليوم على سبيل المثال أكثر من خمسين اتصالاً: يا أستاذ هل نصوم اليوم أم نصوم في الغد ؟ قلت له يا أخي أنت كيف ترى ماذا سمعت ؟ يا أخي ثبت لدى علماء الفلك - وهذا ما تحرَّيناه - ونحن نتكلم إن شاء الله عن علم موثق، ثبت عند علماء الفلك في سورية وفي السعودية وفي الأردن وهذا العمل كان منذ أكثر من سبعة أيام ثبت أن هلال رمضان لا يمكن أن يُرى ليلة الجمعة وإنما يرى هلال رمضان ليلة السبت وسجل هؤلاء العلماء هذا الكلام منذ أكثر من عشرين يوماً ومنذ أكثر من عشر سنوات، وبالتالي يوم السبت هو أول أيام رمضان، هكذا اجتهدنا ورأينا بناءً على معطيات علم موثق محقق، أسوق هذا مثالاً، يجيبني بعضهم بلطف أيضاً وأنا أشكرهم كلهم لأنهم كانوا على ألطف ما يمكن أن يكونوا عليه لكنهم يجيبونني يقولون نحن نرى في التلفاز أنهم يقولون الجمعة. يا أخي تسألني بشكل حي على الهاتف وأنا أقول لك، أنت الآن أمام إنسان يتكلم معك ومن فمك أدينك تقول بأنك تثق بي، أقول هذا الكلام وبعد هذا أنت حر ولك عقل.

انظروا هذا الأمر شتت وفرق وصار هذا الأمر معياراً هل أنت صائم إذاً أنت كذا، هل أنت مفطر إذاً أنت كذا، يا إخوتي لا يمكن أن نثبت إلا بالتزام القرآن بملازمة الصادقين بالعلم الموثق والمحقق.

رابعاً: نثبت بالدعاء، هل تدعو أنت ربك أن يثبتك، لا تسامحني إن قلت لك إنه لا يمر علي يوم إلا وأقول ورب الكعبة: ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وأقول: يا ولي الإسلام وأهله ثبتني به حتى ألقاك، وهذا ما ورد عن سيدنا المصطفى حسبما جاء في الطبراني وسواه، إلا وأقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، هل تدعو الله بهذا الدعاء ؟ رسول الله كان يدعو كان يقول: يا ولي الإسلام وأهله ثبتني به حتى ألقاك. وأنتَ لا تدعو بالثبات، بالدعاء تثبت.

أخيراً: أتريد أن تثبت ؟ بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة إلى الخير الذي وصلت إليه لأنك بالدعوة تبادر قبل أن يبادر عليك أهل الباطل، بالدعوة إلى الحق تبادر إلى من يريد أن يبادر عليك بالباطل، وليكن همك وأنت تدعو الإخلاص، وليكن رائدك الإخلاص لله عز وجل، بالدعوة إلى الله وإلى الإيمان بالله وإلى ألا تقف ما ليس لك به علم وإلى أن تشهد على مثل الشمس بالحكمة والموعظة الحسنة تثبت، لأن الدعوة تثبتك على هذا الذي آمنت به، أما إذا لم تدع إلى هذا الذي آمنت به فستكون موضوعاً للتشكيك والترغيب والترهيب.

أيها الإخوة نسأل الله عز وجل أن يرزقنا السَّداد والثبات، وفي كل يوم أدعو وأقول: اللهم اشفني وعافني وارحمني واغفر لي وتولني واسترني وارزقني وأعزني وسددني وثبتني وزدني علماً وتمم فضلك علي يوم ألقاك يا رب العالمين. اللهم تقبل منا ذلك نعم من يسأل أنت ونعم النصير أنت أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 20/7/2012

لمتابعة موقعنا على الفيس بوك لطفاً اضغط هنا

 

التعليقات

المهندس

تاريخ :2018/11/10

مبارك

شاركنا بتعليق