آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
ما الذي تحققه من فريضة الحج

ما الذي تحققه من فريضة الحج

تاريخ الإضافة: 2002/02/08 | عدد المشاهدات: 4261

أما بعد ، أيها الاخوة المؤمنون : 
مَن كان منكم عازماً على أداء فريضة الحج ، أو من لم يُيَسِّر الله عز وجل له الأداء ، أريد أن أبدأ من حيث قد ينتهي بعضهم ، بالخلاصة ، ثم بعد ذلك ، ربما فَصَّلتُ بعض الشيء . لو تساءلنا عن خلاصة الحج ؟ أيها لحاج ، أيها المسلم : ما الذي يجب أن تحققه حين تؤدي هذه الفريضة ؟ إن المتتبع لما جاء عن الله عز وجل ، وعن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيما يخص هذه الفريضة يرى أن خلاصة هذه الفريضة تتمحور في محورين : 
الأول : تعميق الإخلاص لله في أدائنا أعمالنا ( تقوية الإخلاص لله ) .
الثاني : تدعيم الولاء والطاعة لله عز وجل حتى ولو لم نفهم حكمة الأمر الذي جاءنا من الله . 
تدعيم الإخلاص لله : يقولون في تعريف الحج بأنه القصد إلى مُعَظَّم . وأنت حينما تذهب أو تريد الحج ، تبغي الذهاب إلى الكعبة ، والكعبة معظمة ، لأنها بيت الله عز وجل الحرام ، ولأنها أول بيت وضع للناس ، ولأن الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام بنوها ، فأنت تتوجه إلى معظم عظَّمه الله وأعطاه قيمة روحية معنوية ، فأنت حينما تحج تتوجه إلى ما عظَّمه الله . إلى البيت الحرام مريداً أن يكون هذا التوجه خالصاً لله عز وجل ، فتقول إذ تحج أو تعتمر : اللهم إني أريد الحج فيسِّره لي وتقبله مني ، وتقول بعد إذ ترتدي لباس الإحرام وأنت تبغي الحج : نويت الحج أو العمرة وأخلصت به لله رب العالمين . الحج يُقوِّي نيتك أو يمنحك الإخلاص في النية ، ونحن نحتاج إلى أن نكون مخلصين في كل أعمالنا ، في بيعنا وشرائنا وسياستنا وثقافتنا ، وأخشى ما نخشاه على أنفسنا من فساد النية لا سمح الله ، لأن سيدنا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يقول كما في البخاري ومسلم : " إنما الأعمال بالنيات " فإن ذهبت النية أو فسدت فسد العمل لا شك في ذلك ولا ريب . والله عز وجل حينما يرى عبده ينوي إلى غير الله عز وجل يكله إلى من نواه " أنا أغنى الشركاء عن الشرك " هكذا يقول الله في الحديث القدسي الذي يرويه الترمذي ومسلم وغيرهما . 
تدعيم الولاء والطاعة لله : فعلى الإنسان أن يطيع ، وهنالك مصطلح اسمه الطاعة والولاء والانقياد والاستسلام والإسلام والإذعان والقنوت والسمع . والسؤال الذي نطرحه على أنفسنا من حيث الدراسة الأنثروبولوجية ( الإناسية ) من تطيع ومن توالي ؟ لمن تنقاد وتستسلم وتذعن وتنصاع وتستمع وتصيخ ؟ سؤال يطرحه الإنسان على نفسه حتى ولو لم يكن مسلماً . لو أنك تخيلت كما يتخيل بعضهم في " حي ابن يقظان " أو في " حي ابن الطفيل " لو تخيلت إنساناً وُجِد ولم يلتق أحداً سيسأل نفسه حين يبلغ سن الرشد من أنا ؟ لمن أطيع وأستسلم وأذعن ؟ ولقد حدث هذا في مقولة منتشرة جداً حينما وجد أعرابي نفسه وجهاً لوجه أمام وحدة ( غربة ) نظر في الكون الجامد ولكنه متحرك إن حركتَه أنت ، فقال : البعرة تدلّ على البعير ، والقدم يدلّ على المسير ، سماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج أفلا تدلان على اللطيف الخبير ؟! هنالك لطيف خبير مطلق . هو الذي أواليه وأسمع له وأذعن له . وأقول له كما يقول الحاج - وهنا موطن الشاهد - : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك . لله المطلق الخالق أنقاد له وأستسلم . لأنه : ( لا يُسأَل عما يفعل وهم يُسأَلون ) . ورحم الله من قال : 

يا هذه الدنيا أصيخي واشهدي 

إنَّا بغير محمد لا نقتدي

ومحمد هو رسول الله ، لا نقتدي به لأنه محمد ، بل لأنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لأنه المنقاد الأول والطائع الأول بين بني الإنسان لرب الإنسان اللطيف الخبير . خلاصة الحج انقياد وولاء وطاعة لله رب العالمين . فما بالنا ، وما بال مثقفينا - وأنا لا أريد بهذا شتماً وحاشا - ما بال سِياسيِّينا يقولون لغير الله لبيك ، لبيك وسعديك ، والخير كله في يديك ! لماذا أيها الإنسان ؟! عَتَبي عليك أيها المثقف أن تسمع مني دعوة إلى الله ثم تتهمني بأني أدعوك إلى تقهقر . أن تسمع مني أيها السياسي دعوة إلى الله ثم تتهمني بأني أدعو إلى تأخر . هل الدعوة إلى الحقيقة المطلقة دعوة إلى تأخر وتقهقر ؟! ما هذا المنطق المقلوب ، والكلام الذي يتعارض آخره مع أوله ؟! 
لذلك نتوجه للإنسان كافة في كل بقاع الأرض قائلين له : أَطِعِ لله إن كنت في أمريكا أو كنت في آسيا أو أفريقيا أو أستراليا أو أوربا ، فإن أطعته وواليته فأنت إنسان عاقل ، وإلا فلست بإنسان ، وأقول هذا لأن الله ربي الصادق قال : ( إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل ) . نريد أن نتصارح فيما بيننا : لماذا لا ندعو الناس كافة إلى الله ، وتلك دعوة صادقة إنسانية ثقافية ؟ لماذا إذا جاء الأمر من الله فلا تفعله إلا بعد أن تبحث عن علة وحكمة ؟ ما الحكمة من الصلاة ؟ فإذا لم تقتنع بالحكمة التي يشرحها لك هذا أو ذاك اعتبرتَ نفسك منصوراً وتركت الصلاة ! لماذا لا تتعامل مع الله كما تتعامل مع من تنقاد له من الناس والبشر أمثالك ؟ هل تطلب تعليلاً لمرسوم في دولة أو قانون ؟ ستبحث عن حكمة لهذا المرسوم أو القانون ولكنك إذا لم تجد تعليلاً فستنصاع وتنقاد لا سيما إذا كان الذي وضع القانون رجل كبير في نظرك ، وله مكانة على مستوى القوة الفكرية والمادية . 
نحن نحج ونرفع الرأس لأننا ننصاع لله في أمر أمرنا به إياه ، حتى ولو لم نفهم حكمته . نحن نلبس ثياب الإحرام البيضاء ولا نلبس المخيط ، وما أظن أننا بحاجة إلى أن يقول قائل : ما الحكمة من عدم لبس المخيط ؟ وإن وجد من يقول بِحِكَم كثيرة لهذا اللباس ، لكن يجب أن لا يكون هذا وراء انصياعنا أو سبباً لانصياعنا ، إن فهمناه أطعنا ، وإن لم نفهمه لم نطع ، بل : ( سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ) . الله يقول لك قف في عرفات على هذا الجبل ، ثم انزل إلى المزدلفة ، ثم ارمِ بهذه الحصاة . لا تقل ما الحكمة من أجل أن تفعل ، بل قل ما الحكمة بعد أن تفعل لتعمِّق الأمر . وهذه مشكلة المثقفين والسياسيين والمفكرين ، أَمَا وأن الله قد قال فسمعاً وطاعة ، لأن الله يريد منا عباداً طائعين مستسلمين ، أمرتَنا يا ربنا فوفقنا من أجل أن نطيع ، من أجل السمع والطاعة . 
الله عز وجل قال لك : اذبح . فلا تُفلسف الأمور ولا تقل : أذبح ! إن الذبح - كما يقول بعض الكاذبين - علامة إرهاب ، فأنت تُسيل دماً إذاً أنت مشتاق للدم ، وأنت تصدق غير الله فتقول : لماذا الذبح فهو اشتياق للدم ، وهذا إرهاب . لا يا أخي ... الله قال : فالسمع والطاعة . اجعلنا يا رب عبيداً نواليك ونطيعك . 
قديماً تعلمنا في مدارسنا قول الشاعر : 

إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة 

فإن فساد الرأي أن تترددا

وإني لأقول : إن من جملة مشاكل المسلمين التردد . يسمعون كلام الأعداء الذين يتمظهرون اليوم بمظهر القوة وهم يقولون لهم : ما الفائدة من هذا ؟ وإذا بمسلمينا يترددون بين أمر الله وبين نهي الشيطان عن هذا الأمر الذي أمر به الله . إن أول من فلسف الأمور ، وكانت فلسفته طريق ضلاله : الشيطان يوم أن قال : ( أأسجد لمن خلقت طيناً ؟! ) الله قال له : اسجد ، وإذا بالشيطان يفلسف ، ودافعه الكبر والحسد فقال : ( خلقتني من نار وخلقته من طين ) والنار أعلى شأناً من الطين ، فكيف يسجد من خُلق من النار لمن خُلق من طين ؟ إني أخاف أن نكون اليوم على طريق هذا الذي فلسف الأمر وحاول أن يأخذ الحكمة قبل الفعل ، فإذا ما اقتنع فعل ، وإذا لم يقتنع لم يفعل ، فأين اعتقادك بأن الله الحكيم المطلق . 
أيها الحاج : وأنت ذاهب إلى بيت الله العتيق ، أيها المسلم : وأنت الذي لم تحج ، إني أقول : علينا أن نعيش الحج من أجل تعميق الولاء لله ، وتدعيم الإخلاص في النية لله . فلا ننوي غير الله . اللهم إني أريد الحج لك ، أريد الدراسة من أجلك ، أريد التجارة والصلاة من أجلك ، من أجل الله ، كل أعمالنا من أجل الله . ابحث عن هذا الجذر الضروري في داخلك قبل أي عمل . 
لقد سمعت تعريفاً للصدق منذ أربعة أيام في ندوة ، وهذا التعريف مأخوذ عن كتب السادة الصوفية الفاهمين ، فقد قالوا : " الصدق هو أن تصدق في موقف لا يُنجيك فيه إلا الكذب " . عند ذلك يكون الصدق لله . نويت أن أحج لله ، نويت أن أخطب لله ، من تكلم أمام الناس يريد غير الله أفسد الله عليه أمره ، من تكلم يريد شَدَّ الناس إليه بكلامه وغاب عنه الله ، كان كلامه تِرَةً عليه وعلى أهله . حقق النية لله في كل أعمالك ، ثم بعد ذلك قل : اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت ، وعمِّق في داخلك هذا الذي أردده في بعض الخطب باستمرار : لئن لجأ غيري إلى غيرك فأنا الذي لا ألجأ إلا إليك ، ولئن اعتمد غيري على غيرك فأنا الذي لا أعتمد إلا عليك ، ولئن لاذ غيري بغيرك فأنا الذي لا ألوذ إلا بك . 
أيها الحاج : وأنت تنطلق من بيتك تريد الإحرام ، فلا تلتفت إلى أحد سوى الله ، فإني أريد منك حين تحج أن يكون الحج دورةً تدريبية على تعميق الإخلاص لله ، وتعميق الطاعة الولاء لله . 
أيها الإخوة : إن أهل الباطل قد وضعوا جانباً أهل الحق في تفكيرهم ، فما بال أهل الحق يضعون أهل الباطل أصناماً أمام أعينهم ؟! لسان حالهم يختلف عن لسان حال موسى عليه السلام الذي قال : ( وعجلت إليك ربي لترضى ) ، أما لسان حالنا : وعجلت إليك ربي ليرضى عنا فلان أو فلان ، فإن لم يرضَ فلن أعجل إليك ربي . 
أيها الناس كما قال سيد الناس صلى الله عليه وآله وسلم : " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم " اقرؤوا خطبة حجة الوداع لتشاهدوها قطعة دستورية ندعو كلَّ العالم من أجل أن يتبناها . 
أيها الناس من غير المسلمين : نريد بإسلامنا لكم الخير ، ولكنكم عن حسن نية أو سوء نية حينما تدعون إلى غير الإسلام فلا تريدون بنا الخير . فيا أمة الإنسان حيث كان : إلى الإسلام ، والإسلام إخلاص النية لله عز وجل ، والانقياد والطاعة والولاء لله ولله وحده . فيا ربنا قوِّ فينا إخلاصنا لك ، وقوّ فينا الولاء لحضرتك ، والطاعة لك ، وخير ما تقوله في مثل هذه الأيام أن تردد كما قال صلى الله عليه وآله وسلم كما في الترمذي وأبو داود : " الحج هو العجُّ والثج " والعج هو التلبية ، وأنت الذي لم تحج قل إن ذهبت إلى عملك لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك ، لا شريك لك في كل المجالات ، لا شريك لك من قريب أو بعيد ، لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك . اللهم حققنا بالإخلاص في نياتنا ، وبالإخلاص والطاعة لك في أعمالنا ، أنت حسيبنا وأنت مقصودنا ، نعم من يسأل أنت ، ونعم النصير أنت . أقول هذا القول وأستغفر الله .

التعليقات

شاركنا بتعليق