أما بعد ، أيها الإخوة المؤمنون :
العاقل من تفقد الأمانات التي في عنقه ليؤديها ، والعاقل من نظر العهود التي في ذمته ليعطيها ، ولعله من المطلوب شرعاً أن لا تصبح إلا وأنت توجع نفسك بأسئلة محرجة عن أماناتٍ في عنقك وعن عهود في ذمتك ، وعليك أن تبحث ملياً في كيفية أداء هذه الأمانات وفي شكلية إعطاء العهود . انظروا الأمانات التي في أعناقكم صباح مساء ، ألا ترون من بينها القدس ؟! كلَّما فكرت بالابتعاد عن الحديث عن القدس وجدتني بعد فترة - ولعل الأحداث التي تجري هي التي تضطرني إلى العود للحديث عنها – ولكنني اليوم قلت : ليست القدس أمراً خارجاً عن أماناتٍ في عنقي ، وليست القدس قضية خارجة عن عهود هي في ذمتي ، فمن هذا المنطلق أحببت أن أذكر نفسي وإياكم بهذه الأمانة ، بهذا العهد ، وقد سمعتم بالأمس ما فعله أعداء الله عز وجل بإخوتنا المجاهدين الناشطين ، ويا حبذا لو أننا استبدلنا بالناشطين كما تقول القنوات الفضائية المأجورة في أغلبها ، لو أننا استبدلنا بالناشطين المجاهدين ، سمعتم ما فعله أعداء الله بإخوتنا المجاهدين المدافعين الذين يريدون أداء الأمانة ، قتلوا أطفالاً ، قتلوا نساء ، قتلوا أصحاب حق ، اعتدوا عليهم ، أحرقوهم قذفوهم بالقنابل ، لذا أردت أن أكلم نفسي أمامكم عن أمانة القدس في أعناقنا ، وعن عهد القدس في رقابنا لأقول :
إن أداء أمانة القدس يعني وبكل وضوح أن نتابع مسيرة الجهاد ، وأن نرمي السلام جانباً ، هذا السلام الذي لا تريده إسرائيل ، وإذا ما أرادته فإنها تريده مُفَصَّلاً على مقياس عدوانها وصَلَفِها واعتداءاتها وكل جبروتها الطغياني الآثم . نريد أن نقول إن أداء أمانة القدس يعني أن لا نقبل السلام معهم ، وأكرر مقولتي السابقة : لئن كنا في وضعٍ ضعيف فهذا لا يعني أننا نترك الحق جانباً ، فالضعف العابر لا يغيِّر الحق الثابت ، ليس من أداء الأمانة أن نرضى بالسلام مع اليهود المعتدين ، وليس من الأمانة أن نقبل خارطة الطريق ، فخارطة الطريق هي من وضعِ داعمٍ للكيان الصهيوني ، من وضع حليق استراتيجي للكيان الصهيوني الغاشم ، وصديق عدوُّك عدوُّك ، إن أمريكا التي وضعت خارطة الطريق هي صديقٌ حليف داعمُ لإسرائيل ، وإذا كانت إسرائيل عدوتنا ، فصديق عدوِّنا عدونا . نقول ليس من الأمانة في حق القدس أن نقبل خارطة الطريق أو أن نكون مع أعدائنا مسالمين ، أو أن نقعد على مائدة مستديرة مع مصاصي الدماء وشذَّاذ الآفاق ، ليس من أداء الأمانة للقدس الشريف إلا أن نرفع راية الجهاد حكومات وشعوباً ، إلا أن نرفع رايات القتال لكافة المعتدين أو للمعتدين كافة ، لرجالهم ، لنسائهم ، لأولادهم ، لأنهم كما رأيتم يتنادون جميعاً لقتالنا ، لإبادتنا ، لقتال إخواننا ، لقتال الأطفال ، لقتال النساء ، لقتال الشيوخ . الله عز وجل قال : ﴿ وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ﴾ التوبة : 36 لقد قام عدونا المغرور الأثيم بمحاولات اغتيال لمجاهدين بارزين في حماس ، في الجهاد ، في كل الفصائل الفلسطينية ، فهل ننتظر من أولئك الذين هم في فسحة يعبر عنها علماء العقول في فسحة وجيبية لخارطة الطريق ، لقمة العقبة ، لقمة شرم الشيخ ، هم في فسحة وجيبية تعني أن يقفوا عن عدوانهم ، وإن كانوا غير واقفين حتى ولو لم يقتلوا لأن مجرد احتلالهم للأرض يعني استمرارهم في العدوان والقتال . لقد ثبت عقلاً ونقلاً أن حقنا في فلسطين أمانة وأن أمانة القدس في أعناقنا تعني أن نحررها كاملة ، أن نحرر ما قبل الـ 67 وما بعد الـ 67 ، أن نسعى لتحرير فلسطين ، كل فلسطين من دون استثناء ، هذه قواعد . لئن كنا في فترة من الفترات نذكرها على استحياء أو نحاول أن لا نذكرها ، لكننا اليوم ويجب أن نقول مفردات أمانة القدس ، وإن كنا في حالة ضعف مادي ، إن أمانة القدس في أعناقنا تعني أن نرفض السلام مع إسرائيل ، وأن نرفض خارطة الطريق ، وأن نرفض مشروع تينيت ، كل المشاريع التي تولدها أمريكا ، والتي يولدها الغرب ، لأن أمريكا إذ تولد خارطة الطريق فليست أفضل حالاً من بريطانيا التي ولدت وعد بولفور ، وكان لوعد بولفور ما كان من نتائج وخيمة على العرب والمسلمين . إن أمانة القدس في أعناقنا تعني أن يحرر المسلمون القدس ، هذه هي الأمانة من حيث النظر ، أن يحرر المسلمون القدس ، وأن يَسُوسَ المسلمون القدس من دون تقسيم ، فالمسلمون هم أصحاب القدس ، والمسلمون هم أصحاب فلسطين ، وأنا أعني ما أقول ، وإذا أراد أحد من غير المسلمين أن يعيش في القدس فتحت رعاية المسلمين ، وتحت كنف المسلمين ، وتحت راية المسلمين ، هذه مجمل أمانة القدس في أعناقنا . يجب أن لا نُنقِص منها شيئاً ، لنا حقنا في كامل القدس ، وإذا تنازلنا من حيث التطبيق ، من حيث المهادنة ، قد لا يكون في الأمر بأس ، أما من حيث المعتقد والتأصيل فلا . القدس إسلامية ، فلسطين إسلامية ، سورية إسلامية ، الأردن إسلامية ، مصر إسلامية ، هذه البلاد تحت راية المسلمين يجب أن تكون ، وهي أمانة في أعناق المسلمين من أجل أن يتابعوا هذا الخط ، وإلا ماذا يعني قول النبي عليه وآله الصلاة والسلام كما جاء في كتاب فضائل القدس لابن الجوزي في الحديث القدسي يخاطب الله القدس فيقول : " أنتِ جنتي وقدسي وصفوتي من بلادي ، من سكنكِ فبرحمة مني ، ومن خرج منكِ فبسخط مني عليه " لن نتركها وإلا سيسخط الله علينا ، لن نتركها طعماً ولن نتركها مائدة مفتوحة لليهود وسواهم ، للعابثين ، لنا أصول لا نحيد عنها ، وإلا أيضاً ماذا يعني قول النبي عليه وآله الصلاة والسلام حينما قال كما أخرج الإمام أحمد : " لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين ، ولعدوهم قاهرين لا يضرُّهم من خالفهم ولا ما أصابهم من البلاء حتى يأتي أمر الله وهم كذلك " قالوا : يا رسول الله ! وأين هم ؟ قال : " : في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس " إن رضينا خارطة الطريق فماذا نفعل بمثل هذا الحديث : " لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين " باسم الإسلام يجاهدون ، باسم الإسلام لا بأسماء أخرى ، " على الدين ظاهرين ، يدفعهم دينهم ، باسم دينهم لا باسم شيء آخر ، على الدين ظاهرين ولعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم ولا ما أصابهم من البلاء حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك ، وفي رواية وهم كذلك " أين هم يا رسول الله ؟ قال : في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس .
أتوجه إلى المسلمين كافة ، إلى الحكومات والشعوب : نحن مع ما يقوله الإسلام حيال فلسطين ، نحن مع ما يقوله القرآن حيال فلسطين ، نحن مع ما يقوله سيد ولد آدم حيال فلسطين ، فيا إخوتنا في حماس ، وفي الجهاد ، وفي الجبهة ، وفي فتح ، وفي أي فصيل : تابعوا طريق الجهاد لأن عدونا – وايم الحق – لا يريد السلام ، وإنما يريد أن يلهيكم في فترة من الزمان ليدبر أمره وليثبت قدمه اللعينة الآثمة الفاجرة ، يريد أن يقتطع فترة من جهادكم ، لا تجاهدون فيها حتى يتدبر أمره ، تابعوا يا إخوتنا ، وأنا أقول ومن وجهة نظري التي أستمدها من ديني : لقد سررت لعملية القدس الاستشهادية ، لأنها عملية مشروعة ، ردت الصاع صاعين على عمليات غير مشروعة ، على اعتداءات آثمة ، على اعتداءات بغيضة ، وليقل من يقول ما يقول ، فنحن نقول لإخوتنا المجاهدين : ستُقتَلون من قبل إسرائيل ، وقد قلت هذا ، ولن تُرحَموا ، فاختاروا الشهادة ، لأن الموت فنٌّ كالحياة ، ومن لم يختر الشهادة النبيلة فسيختاره الموت الوضيع ، هكذا علمنا سيدنا الحسين رضي الله عنه وأرضاه ، علمنا أن الناس المعتدين الآثمين ، أن الطغاة يتمرد عليهم بمشروعية ، وتمرد إخوتنا المجاهدين في فلسطين مشروع بشرع الله في قرآنه ، وبشرع الله ما جاء فيه عن نبيه المصطفى عليه وآله الصلاة والسلام .
أيها العالم الغربي أقول لك : نحن حينما نذكرك موضوعيون ، نذكر الخير الذي فيك ، حينما نذكرك لا نقصِّر في ذكر محاسن تتمتع بها ، لكننا حينما نراك تدافع عن ظالم ، تدافع عن قاتل ، تدافع عن آثم ، تدافع عن سفاك ، تدافع عن مصاص دماء ، ما الذي تريدنا أن نقوله ، ونحن نراك تدعم الشر والرذيلة والقتل بغير حق والعدوان والإثم ، ماذا تريد أن نقول ؟ أنتابع الامتداح ؟! إن تابعنا الامتداح فَقَد مَدحُنا إياك مصداقيته ، نحن نقول لك حينما تحسن أحسنت ، ولكننا نريد أن نقول لك : إنك تسئ هنا ، لماذا يا أيها العالم الغربي وأعني الحكومات بشكل خاص ، لماذا لا تحاول أن تردع إسرائيل عن غيها وضلالها ، أتريد أدلة أكثر مما ترى على طغيان إسرائيل ؟! أتريد براهين أقوى تقدم لك لتؤكد لك إثم وعدوان إسرائيل ، أما رأيتَ أيها العالم الغربي ، أيتها الحكومات العربية ، يا من تطالبين بالسلام ، هل تريدين مناظر أفظع من هذا الذي يفعله عدونا بأولادك ، بشبابك ، بنسائك ، يقتلون صباح مساء آمنين ، يقتلون أطفالاً ، يقتلون نساءً ، يقتلون شيوخاً .
دعونا أيها الإخوة في عالمنا العربي والإسلامي دعونا أن نجرب أن نكون مع المقاومة ، أنا أخاطب الحكومات والشعوب دعونا نجرب لنكون صفاً واحداً مع حماس والقسَّام والجهاد وسرايا القدس ، دعونا نجرب لنكون معهم وهذه تجربة ، لقد جربنا حلولاً أمطرت علينا من جهة لا نؤمن بها ، فلماذا لا نجرب تجربة أو حلاً يأتينا من مكان آمن ؟! يأتينا من إخوة مسلمين مؤمنين برهنوا على حبهم للوطن بجهاد بتضحية بشهداء بدماء ، جربوا أيها العالم يا من اجتمعتم في شرم الشيخ أو في العقبة ، قولوا : نحن مع المقاومة وليكن الطوفان . جربوا مرة فإن فشل عند ذلك تقطعون الطريق علينا ، ولكنني أظن أنه لن يفشل لأن الأمة حينما تعلن ذلك فهي لا تريد اعتداء ولا تريد ظلماً وإنما تريد أن تؤدي الأمانة التي في عنقها وهي أمانة التحرير ، أمانة الأسلمة للقدس كلها ، لفلسطين كلها ، وأكرر لأقول لغير المسلمين : لا يمانع المسلمون حسب مقولات دينهم أن يأتي غيرهم ولكن ليعيش في كنفهم ، لا ليعيش شريكاً ، لا. لا ليعيش شريكاً في حكم فلسطين ، ولكن ليعيش في كنفهم ، في ذمتهم ، وعند ذلك سيرى هؤلاء أن من دخل ذمتنا سيكون محمياً ، سيكون في اطمئنان وأمان ، سيكون في أمان ، ولقد جربنا فدخلنا في ذمة الآخرين ولا ذمة لهم ، وأنتم ترون ماذا يفعل أعداء الله في فلسطين وفي غير فلسطين .
أيها الإخوة : أنا ما أتكلم به هو الحق النظري ، ولست في ذلك بمبالغ ، ولكنني أقرر أمراً أراه نابعاً من شرعتي ، من ديني ، من إسلامي ، حتى يعي شبابنا أمانة هي في أعناقهم ، هي في رقابهم فإلى متى سنذكر بعض الأمانات وننسى بعضاً آخر ، وإلى متى سنظل ننتظر ما يتعلق بأمانة القدس مشروعاً يأتينا ممن لا أمانة لهم ولا أمان لهم ، إلى متى سيُملى علينا ؟! أقر بقائنا ضعفاء من حيث المادة ، وأؤكد بعد الإقرار أن الضعف العابر لا يغير الحق الثابت . فلسطين لنا ، القدس لنا ، الصين لنا ، والكل لنا ، الإسلام لنا دين ، الله أكرمنا بالإسلام ديناً ، فالحمد لله ، أوَلسنا نعبد الله ؟! أوَلسنا نُقِرُّ بوجود الله ؟! وهذا ما خاطبت به بعضاً من غربيين وشرقيين ابتعدوا عن الإسلام ، إذا كنا نقر بوجود الله ، ولأضرب لكم مثالاً ، ألا نقر بوجود الأمم المتحدة ؟! نعم . الجواب : بلى . وجرَّاء إقرارنا نعود إلى قرارات الأمم المتحدة ، ويدين بعضنا الآخر من خلال قرارات الأمم المتحدة ، لأننا هكذا نظن أو نتوهم أن الأمم المتحدة منظمة عامة حيادية تريد الخير بالسواء للناس ، إذا كان الأمر كذلك فلماذا نصر على الاحتجاج بقرارات الأمم المتحدة وبالشرعية الدولية وهذا ما يقوله كل وزراء خارجيات العالم ، ألتفت من هنا لأقول : ألا نقر بوجود الله ؟! الجواب : بلى . إذا كنا نحتج بقرارات الأمم المتحدة ، فما موقفنا حيال من آمنا بوجوده المطلق ؟ لماذا لا نحتج بقرارات الله ؟ الذي يؤمن به : السوري والمصري والأوروبي والكندي ، لماذا ؟ قد يقول لي قائل : لطكن قرارات الأمم المتحدة موثوقة النسبة للأمم المتحدة ، وأنت ما الدليل على أن هذه القرارات التي تقدمها موثوقة النسبة لله ؟ أقول له : ادرسها فإن وجدت فيها نقصاً فحدثنا عنه ، ونحن جاهزون ، نحن موضوعيون ، نحن جاهزون لفتح حوار . قرارات ربنا أولى بالاتباع من قرارات الأمم المتحدة ، وإذا كانت إسرائيل تضرب عرض الحائط قرارات الأمم المتحدة ، فمن باب أولى أنها تضرب عرض الحائط قرارات الله عز وجل . أتنتظرون إسرائيل لتحتل العالم العربي كله لتخاطبوها بالهدوء وبالانزعاج كما عبر الرئيس الأمريكي الأرعن ؟ أو تريدون انتظار احتلال إسرائيل لكل شعوب المنطقة حتى تقولون لإسرائيل رويداً رويداً يا إسرائيل ، وتقولوا للعرب : إياكم وحماس ، إياكم والجهاد ، لا نريد إرهابيين ، أنتم مصدر الإرهاب ، أما إسرائيل فتخاطب بكل هدوء وبكل استقرار وبكل طمأنينة ، ولكن بشيء من العَتَب حتى لا تنزعج إسرائيل ، بشيء من العتب البسيط اللطيف .
أيها الإخوة : نرى الظلم بعيننا ثم بعد ذلك نحتار . لا حيرة ، لكننا بحاجة إلى أن نتقوى لنواجه الجميع بهذه القرارات الإلهية ﴿ وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ﴾ التوبة : 36 " لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين ، ولعدوهم قاهرين " وإن لم نقهر إسرائيل فمن الذي سنقهر ؟!
أبارك لسورية موقفها وأنا أعلم أن المسؤول عن سورية ، أن حاكمها وقائدها يريد هذا لذلك أقول له : تابع طريق الجهاد بهمة ، وكن مع المقاومين ، لأن المقاومين على حق ، وأسأل ربنا أن يثبتنا على شرعه وعلى دينه ، نعم من يسأل ربنا ونعم النصير إلهنا ، أقول هذا القول وأستغفر الله .
التعليقات