آخر تحديث: الثلاثاء 23 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
القدس الشريفة تُظلم فمن للمظلوم يا مسلمون ؟

القدس الشريفة تُظلم فمن للمظلوم يا مسلمون ؟

تاريخ الإضافة: 2007/02/09 | عدد المشاهدات: 4118

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

كلنا أضحى على علم ومعرفة بما يجري حول المسجد الأقصى من أعمال تخريبية إفسادية تقوم بذلك إسرائيل المعتدية الآثمة، سمعتم بهذا وما زلتم تسمعون، وتتعالى هنا وهناك أصوات تغار وتخاف على مستقبل المسجد الأقصى والقدس، وإني لأرجو الله أن يستجاب لهذه الأصوات وأن تزداد مثل هذه الأصوات، وقد أعجبت بافتتاحية صحيفة تشرين لرئيس تحريرها إذ كانت تحت عنوان: كي لا تضيع القدس بعد غرناطة، سرد فيها معلومات موثقة عما يفعله الكيان الغاصب من أجل تهويد القدس.

قررت وأنا الذي كتبت عن القدس أكثر من مقالة وجعت المقالات في كتاب، قررت أن تكون خطبتي اليوم في قسمين:

أما القسم الأول: فقد وضعت ذلك تحت عنوان: القدس الشريفة تُظلم فمن للمظلوم يا مسلمون ؟ يا منصفون يا عقلاء يا أيها الساعون إلى إعادة الحق إلى نصابه. هل تريدون أيها المسلمون أن تبقوا في قتالكم فيما بينكم ؟ هل تريدون أن تستمروا في صراعكم فيما بينكم وعدوكم يستغل هذا الوقت أيما استغلال ؟ ويريد من وراء هذا الاستغلال أن يحقق مآربه اللا إنسانية، فهل تسمعون ؟

تقول الأسطورة التلمودية المؤسسة لدولة إسرائيل: إن هيكل سليمان في نفس المكان الذي فيه المسجد الأقصى، وأن المسجد الأقصى بُني على أنقاض الهيكل.

والمخطط الآن تهويد القدس، تهديم المسجد الأقصى، إقامة الهيكل.

ولتحقيق هذا المخطط اتجهت نية الكيان الغاصب إلى تفكيك المسجد الأقصى وإعادة تركيبه في بلدة أبو ديس التي تبعد عن مركز مدينة القدس ثلاثة كيلومترات وقد شهدت هذه البلدة منذ سنوات بناء بعض المؤسسات الفلسطينية وهذه تمهيدات لتحقيق بغية إسرائيل، والمهم أن القدس ستكون بشقيها الغربي والشرقي عاصمة أبدية لإسرائيل تحت المسمى العبري أورشليم، وإسرائيل ماضية في التهويد بكل الوسائل والسبل بدءاً من اعتبار أي مقدسي يتغيب عن المدينة خمسة عشر يوماً ليس من مواطنيها، مروراً بعمليات التهويد الأخرى كالتعدي على أملاك المواطنين العرب في القدس، وحفر الأنفاق تحت المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة، وهدم المنازل وقيام المغتصبين بين الفينة والأخرى بدخول الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية وتدنيسها ومهاجمة المصلين بحماية الجيش الإسرائيلي.

وإذا عدنا إلى الهيكل المزعوم فإن إقامته تعني بالنسبة لليهود اقتراب معركة هرمجدون التي ينتصر فيها، على حد رأي وزعم اليهود، التي ينتصر فيها الأخيار على الأغيار، ولا يبقى على سطح الأرض سوى حفنة من الناس هي شعب الله المختار، عندها يظهر المسيح وتنتهي الحياة على الأرض وتقوم القيامة.

وعلينا أن نعلم أن الإدارة الأمريكية الحالية التي يديرها المحافظون الجدد تؤمن بالأسطورة اليهودية كل الإيمان، ولذا فالخطر الذي يتهدد القدس وهويتها العربية الإسلامية لا يأتي فقط من الصهاينة الإسرائيليين بل من الصهاينة الأمريكيين ومن الصليبيين المتصهينين في كل العالم، فهل يسمع الغيورون ذلك ؟ وهل يتحرك هؤلاء من أجل إعادة الحق إلى نصابه ؟ فالقدس يا عالم عربية النشأة، شامية مقدسة إسلامية تُشكل مع المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة محوراً رمزياً يتجاوز قضية الجغرافية، بل غدا قضية على مستوى الصراع الحضاري وقد أريد له أن يكون مجرد حالة دينية ضيقة تتحرك في هامش الخصوصيات الإسلامية الذاتية الخاصة بالصراعات الصغيرة، وأن يعزل عن كل مواقع القوة ويُبعد عن مواطن القداسة الروحية المتمثلة في خصوصيته المنفتحة على كل قداسات الديانات الإلهية. فاللهم استجب دعوة قدس مظلوم وعليك بكل ظالم فإنه لا يعجزك يا رب العالمين. هذا القسم الأول.

أما القسم الثاني: فها أنا ذا أنادي أمة الإسلام، وفعلاً شعرت بفرح البارحة وأنا أستمع إلى وحدة بين حركة فتح وحركة حماس، والمهم أن تتحد في النهاية كل الحركات التي تبتغي وجه ربها والتي تريد إزالة الظلم عن المظلوم أينما كان الظلم وأينما كان المظلوم ولا سيما إذا كان الظلم واقعاً على رمز مقدس في عيوننا وقلوبنا نحن الذين نقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله.

يا أمتي اتحدي واعلمي أن الله أوجب على أبنائك كلهم في أعصارهم وأمصارهم أن يظلوا متحدين متفقين مجتمعين كالبنيان المرصوص يشد بعضهم بعضاً، ﴿بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة﴾، وأوجب عليهم أن يعلموا أن عزهم باجتماعهم وقوتهم باتفاقهم فقال لهم: ﴿وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين﴾، وقال: ﴿ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم﴾ وأوجب عليهم إذا ما بدرت بادرة خلاف فيما بينهم أن يبادروا بالرجوع إلى كتاب الله تعالى وسنة نبيه. فيا أيها الحكام وأيتها الشعوب إذا ما بدر بينكم بادرة خلاف الله الذي تؤمنون به يقول لكم: ﴿فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً﴾.

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قام فينا رسول الله صلى الله عليه آله وسلم خطيباً فقال: (عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد. من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة) رواه الترمذي.

وقال صلى الله عليه آله وسلم: (يد الله على الجماعة ومن شذَّ شذ إلى النار) رواه الترمذي.

وعن عمرو بن الأحوص رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه آله وسلم يقول في حجة الوداع: (أي يوم هذا ؟ قالوا: يوم الحج الأكبر. قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا) رواه الترمذي وسواه.

 فيا أبناء الأمة جميعاً، ويا أبناء كلمة التوحيد كافة ويا أيها المنصفون عامة، واجب على كل غيور منا أنى كان موضعه وموقعه، واجب شرعي وفتوى شرعية على كل غيور منا أنى كان موضعه وموقعه، أن يسعى لجمع كلمة هذه الأمة وتوحيد صفها ورأب صدعها فإن الأمة لم ينكسر عودها وينهزم سورها إلا يوم تمكن العدو الآثم من صهيوني ومتصهين من تفريقها وبث بذور الخلاق المقيت والعصبية المذهبية والطائفية البغيضة بينها.

وها هو رسول الله صلى الله عليه آله وسلم يقول: (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عُميَّة يغضب لعصب – ولا يغضب لله – أو يدعو إلى عصبة – ولا يدعو إلى دين الله – أو ينصر عصبة – لمجرد أنها عصبة – فقُتِل فقتلة جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه) رواه مسلم، وصدق سيدي رسول الله صلى الله عليه آله وسلم فهل نحن عن التفرقة منتهون ؟ وهل نحن لما يفعله الأعداء في فلسطين مدركون ؟ وهل نحن من أجل المنافحة والمدافعة عن بيت المقدس والقدس وعن ديننا ومحمدنا هل نحن مستعدون ؟ آمل أن يكون الجواب نعم. ولكن ليس عبر اللسان فاللسان لا يكفي وإنما عبر اللسان والقلم والعمل والوحدة والتعاون والتآلف والتلاقي والتناصر والتكامل، ولنجعل المصافحة بديل المسافحة، ولنجعل التكامل بديل التواكل والتآكل، وإلا لن يستثني العدو منا واحداً إن رآه يتكلم كلمة عربية بلهجة صحيحة أو يُدل من خلال نطقه على انتماء ولو بسيط لهذا القرآن الكريم ولذلك الإسلام العظيم.

أسأل الله أن يوفقنا لصحوة حقيقية على وحدة مفروضة، وأن يوفقنا لصحوة على واقع نريد أن نجعله واقعاً مرضياً لربنا لتاريخنا لأسلافنا لسيدنا رسول الله صلى الله عليه آله وسلم لآل بيته الكرام لأصحابه رضي الله عنهم أجمعين لكل أولئك السلف الذين قدموا لنا الإسلام تقديماً لا أروع ولا أجمل لكننا خُنّا العهد فكنا الخلْف ولم نكن الخلَف، آمل أن نتحول من خلْف إلى خلَف ﴿فخلف من بعدهم خلْف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّاً﴾ إلى أن نتحول إلى خلَف آمل أن يمعن كل منا في مسؤوليته الملقاة على عاتقه والله وراء القصد، نعم من يسأل ربنا ونعم النصير إلهنا أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ: 9/2/2007

التعليقات

شاركنا بتعليق