آخر تحديث: الثلاثاء 05 تشرين الثاني 2024      
تابعنا على :  

خطبة الجمعة

   
شروط تأثير الخُطب في الأمة

شروط تأثير الخُطب في الأمة

تاريخ الإضافة: 2004/04/09 | عدد المشاهدات: 3989

أما بعد : أيها الأخوة المؤمنون :

قالوا لي : كيف يجب أن توقظ الخُطب الأمة النائمة الخجلى الضعيفة ؟ قلت لهم : كيف يجب - أيضاً - أن توقظ الأمة الخطب التي ابتعدت عن مسارات شروط الإسلام وقواعده ؟ إذا أردتم إيقاظاً للأمة عبر خطب وكلمات فلتكن الخطب والكلمات منتسبةً حقَّ الانتساب للإسلام ، وهل تريدون أن تستيقظ الأمة بخطب لا تنتسب للإسلام إلا شكلاً ، بكلمات لا تعرف علاقة مع الإسلام إلا عن طريق الادِّعاء ، لا تعرف تقعيداً ولا ارتباطاً بقواعد الإسلام إلا علي سبيل الرمزية البعيدة ، إذا أردتم للأمة أن تستيقظ وأن توقظها الخطب فانظروا الخطب ، وانظروا ارتباطها وتحققها بشروط القرآن ، وشروط النبوة التي جاء بها نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم لذلك قلت لهذا السائل : يجب أن توقظ الأمة الخطب أيضاً ، لأن الأمة والخطب نسيجٌ واحد ، وبعضها – الخطب – من بعضهم – الأمة - ، فاسمح لي - أيها السائل - أن أقول لك ابتداء كيف توقط الخطب الأمة ، وفي الأسبوع القادم عن كيفية إيقاظ الأمة للخطب وكيف توقظ الأمة الخطب .
إذا أردت أن توقظ الخطب الأمة ، فلا بد للخطب والخطباء من شروط ، وأول هذه الشروط الصدق .
وأنا حينما أقول مثل هذه الكلمة أريد تبيان معناها ، وتحديد دلالتها ، فالصدق يعني أن تتوجه إلى الأمة – أيها الخطيب والمتكلم مَنْ كنت - تريد نفعها فعلاً سواء أكنت تخطب في الجامع أو في المؤتمر أو في المحفل السياسي أو المكان الاجتماعي ، سواء أكنت رئيساً أو خطيباً ، سواء أكنت متديناً في المسجد أو كنت مُدَرِّساً في المدرسة أو في أي مكان ومستوى وصعيد .
الصدق من شروط تأثير الخطبة في الأمة ، ومن أجل أن تؤثر خطبتك في الأمة يجب أن تكون صادقاً ، أي أن تتوجه إلى نفع الأمة فعلاً من دون مجاملة ، والصديق من صَدَقَك لا من صَدَّقك ، والخطيب هو من يَصدُق الأمة لا من يُصَدِّقها ويجاملها ، انظروا خطبنا عبر التلفاز أو الإذاعات أو المنابر أو المحافل ، انظروا إلى نسب المُجَاملة فيها فسترون أن المجاملة تكاد تغطي مساحة الخطبة ، نحن نقول لمن يقول الله أكبر نحن معك من دون أن نفحص ونمحص هذا الذي يقول الله أكبر لأننا لا نريد أن نعيش مخدوعين وأغبياء ، نريد أن نفحص الأمر لأننا مطالبون بالصدق والله عز وجل قال : ﴿ يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ﴾
النساء : 135 لا تشهدون لإنسان دون سواه وإنما يجب أن تشهدوا لله ( قوامين بالقسط ) في كلامكم وأفعالكم ، اعدلوا في حكمكم على هذا " والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " قوامين بالقسط في كلامنا ، نبتغي الصدق ، نبتغي نفع الأمة ، حتى ولو كان هذا الذي يؤذي الأمة يتجلبب بجلبابِ دينٍ ، ينبغي أن نبين ذلك وأن نقول لهذا ناصحين لا . ويجب أن لا يطغى علينا شكل متدين ليكون هذا الشكل على حساب حقيقة نريد أن نظهرها باجتهادنا وصدقنا وعملنا . الصدق ، يقول عليه وآله الصلاة والسلام في حديثٍ يرويه الإمام أحمد في مسنده : " اضمنوا لي ستاً أضمن لكم الجنة " ومن جملتها : " اصدقوا إذا حدثتم " أي كونوا صادقين في إرادة النفع لمن تتحدثون .
الشرط الثاني الإخلاص : هنالك فرق بين الصدق والإخلاص ، فالصدق أن تتوجه إلى نفع الأمة فعلاً ، والإخلاص أن يكون توجهك لنفع الأمة تبتغي به وجه الله ، لا تبتغي به ثناء الأمة ولا مالها ، ولا أن تُذكَر بخير عند الأمة ، ولكن أن تتوجه إلى نفع الأمة تبتغي وجه ربك عز وجل . روى الحاكم في مستدركه أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله إني أقف الموقف – خطيباً أو عاملاً أو متكلماً أو مدرساً أو مجاهداً حتى – أريد وجه الله وأريد أن يرى موطني في هذا ، فلم يردَّ عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم تلا قوله تعالى ﴿ ولا يشرك بعبادة ربه أحداً ﴾
الكهف : 110 عليك أن لا تشرك بعبادة ربك أحداً ، تقف الموقف فلتبتغِ وجه الله وإياك أن تبتغي أمراً آخر ، أن يُرَى موقفك : " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى " هكذا قال نبينا المصطفى عليه وآله الصلاة والسلام . الإخلاص بعد الصدق .
الشرط الثالث توثيق الخطيب معلوماته وخطابه : عليك أن توثق معلوماتك لتبيِّن للناس أن هذه المعلومات تنتسب للإٌسلام ، لعلي قلت أكثر من أربعة أشهر : كم من متحدث يتحدث عن الإسلام ولكن كلامه لا يَمُتُّ إلى الإسلام بصلة ، كم من متكلم وداعية يُمطِرنا بكلام وحديث عن الإسلام إلا أن الأحاديث التي ينسبها للنبي عليه وآله الصلاة والسلام ليست صحيحة ، ولا يُبنَى الصحيح بغير صحيح ، ولا توقظ الأمة بكذب ، الله عز وجل قال : ﴿ اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً . يصلح لكم أعمالكم ﴾
الأحزاب : 70 – 71 وثِّق كلامك ، وكلنا يعلم الحديث المتواتر المعروف : " من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار " أنا أسمع وأنتم تسمعون أن من يتكلم ويخطب إِنْ عن الإسلام فكلامه وخطابه يكاد يكون بعيد الصلة عن الإسلام ، ومن يتكلم عن الأمة وباسم الأمة يكاد يكون كلامه بعيداً عن أن ينتسب لحقيقة ما تعانيه الأمة ، وأكاد ألخص هؤلاء برجلين : رجل يتحدث باسم الدين وكلامه بعيد عن الدين ، وآخر يتحدث باسم الأمة وكلامه بعيد في كل آلامها وآمالها عنه ، ولا يمت كلامه إليها بصلة ، وانظروا هذا الذي تسمعون لتجدوا كثيراً منه ينضوي تحت هذا الذي ذكرنا ، من يتكلم باسم الدين ستجده في كلامه بعيداً عن الدين والقرآن والسنة الصحيحة ، ومن يتكلم بالسياسة أي بالأمة ستجد أن كلامه معسولاً يريد المجاملة غير أنه لم يوثق ولم يؤكد الصلة بين ما يقول وبين حال الأمة . من الذي يتكلم عن فلسطين من السياسيين ؟ أنالا أقول ليس ثمة أحد ، ولكن أقول وأعني هؤلاء الذين يتحدثون عن فلسطين والعراق ، بَيْدَ أنهم لا يتحدثون بكلام موثوق الصلة ومنسوب إلى الأمة التي تعاني ، ناطقون كثيرون باسم الأمة بيد أنهم لا يُعبِّرون عن الأمة ، ناطقون كثيرون باسم الدين بيد أنهم لا يعبرون عن الدين لأنهم لا يوثقون كلامهم إِنْ إلى الأمة أو إلى الدين أو إلى الله أو إلى الرسول ، وهكذا تختلط الكلمات والألفاظ وتضيع حقائق الأمة والدين ، ولا أحد يتكلم عنها إلا النزر اليسير .
الشرط الرابع الكلام المناسب : أن يكون كلامك مناسباً وأن يلامس المشاكل ملامسة فعلية وحقيقة ، فكم من خطيب يتحدث عما لا تعيشه الأمة ، وكم من خطيب يتحدث عن أمور لا تمت إلى واقع الأمة بصلة ، وكم من خطيب يحدث الناس فوق عقولهم ، وكم من خطيب يحدث الناس دون عقولهم ، وهنا وبين قوسين عندما أقول كم من خطيب يحدث الناس فوق عقولهم أريد من عقول الناس أن ترتقي ، ولا أريد من كلام الخطيب أن يتدنى لأننا بحاجة إلى أن يشد بعضنا أزر بعض لا أن يأخذ بعضنا بقوة الخطيب ليضعفها ويجعلها في الحضيض ، نريد أن نرتقي في عقول الأمة ولا نريد أن نجامل الأمة في عقلها الكسول الجامد . هذا ما أردت الاحتراز فيه ومنه حينما اشترطت مناسبةَ كلامِ الخطيب لتفكير الأمة ، وقد ورد في الحديث : " ما أنت مُحَدِّث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان على بعضهم تِرَة " قطيعة ، إلا كان على بعضهم إفكاً وسوءً وأمراً ثقيلاً لا يستوعبونه .
الشرط الخامس العِفَّة : على الخطيب أن يكون عفيفاً ، أياً كان هذا الخطيب وفي أي مكان ، عفة الخطيب ، عفة مع الناس عنوان علاقتنا معهم ، كن عفيفاً أيها المسؤول الكبير وكذلك أيها الخطيب : " ومن يَستَعِفَّ يُعفه الله ، ومن يستغن يغنه الله " هكذا قال نبينا كما في البخاري ومسلم نحن بحاجة إلى عفة تنشر أريجها في مجتمعنا ، نحن بحاجة إلى أرضية عفة نعيش عليها ، نريد من المسؤول أن يكون عفيفاً ، ومن الشيخ والمدرس ، إذا كنت عفيفاً في طعامك " عِفَّةٌ في طعمة " إذا تحليت بها فلا عليك ما فاتك من الدنيا ، فستأتيك الدنيا راغمة ، يجب أن يكون الخطيب عفيفاً ، والعفة تعني أن لا يكون لديه تطلعاً لما في ايدي الناس ، دلني على أمر إذا فعلته أحبني الله وأحبني الناس هكذا قال رجل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في الترمذي قال له : " ازهد في الدنيا يحبك الله ، وازهد فيما في ايدي الناس يحبك الناس " أصبحت طموحاتنا مادية ، متى سيكون قريبي مسؤولاً حتى أستفيد ، متى سيكون أخي وأبي مسؤولاً حتى أستفيد ، متى سأستلم المنصب الفلاني ، أمن أجل الصدق مع الأمة ! أم من أجل الإحسان مع الأمة ! أم من أجل معايشة مشاكل الأمة ! لا . أنا لا أُعَمِّم ، فهناك مخلصون ، ولو افتقدنا المخلصين إطلاقاً لدمرت هذه الدنيا ، ولكن أتكلم فيما يغلب علينا ، ولعل قائلاً تقول فيما يغلب علينا ؟ أقول هذا بحسب النتائج ، ولو أن النتائج كانت طيبة لبطل كلامي ، ولما جاز لي أن أقول هذا ، ولكن الغالب علينا وفينا ، لأن النتائج بحسب الأغلبية ، إذا تحقق أغلب السبب ، تحقق المُسَبِّب ، لذلك أنا لا أعمم ولكن أتحدث عن غالبية تفترش وضعنا وأرضنا وحالنا ، وما أظن أن أحداً منكم يخالفني في ذلك .
لم أُرِد أن أكثر من شروط الخطب لتوقظ الأمة ، لكنني جعلتها : الصدق والإخلاص والتوثيق والعفة والمناسبة لمستوى الأمة ومشاكلها ، وعلى حسب مقتضى الحال أن يكون بليغاً ، والبلاغة هي موافقة الحال ، وعندما تتحدث عما يقتضيه الحال فأنت إذاً بليغ .
هذه شروط خطب - الله أعلم - يجب أن توقظ الأمة ، واسمحوا لي أن أقول : كلكم خطباء ، لأن لكلٍ منكم مجالاً يتكلم فيه ، فما منكم إلا وهو أبٌ ومجاله في أسرته ويتكلم كثيراً في أسرته ، وما منكم إلا مدرس ومجاله مدرسته ، وما منكم إلا طبيب ومجاله المستشفى وعيادته ، وما منكم إلا مهندس ومجاله أرضه وساحته ومعمله ، وما منكم إلا تاجر ومجاله محله ومتجره ، وما منكم إلا مسؤول مدير ومجاله دائرته ، وهكذا دواليك ، وقِسْ على هذا بقية ما يمكن أن نكون قد نسيناه من مفردات المجتمع وشرائحه .
توجهو إلى العلي القدير أن ينصر أمتنا ، وقبل أن نقول أن ينصر أمتنا أن ينصرنا على أنفسنا ، توجهوا ليس فقط باللسان ولكن بالحقيقة والأفعال ، توجهوا إلى ربكم : قولوا له : اللهم من كادنا فكده إن في فلسطين والعراق ، اللهم من اعتدى علينا فاجعل الاعتداء يدور عليه ، يا رب العالمين ، ادعوا ربكم عز وجل أن ينصر إخوانكم المصلحين الصالحين المخلصين الصادقين في العراق وفلسطين في كل مكان وفي كل بقعة من بقاع الأرض .
قال لي بعضكم : لماذا تركزعلى فلسطين ولا تركز على العراق ؟ قلت له : لأن فلسطين هي الرأس والقلب والأصل ، وعندما ندعو لفلسطين الرأس فإننا ندعو لسائر الأعضاء ضمناً " ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب " وإذا أردنا أن نعدد فليس الأمر يقتصر على العراق بل المسلمون في كل العالم بحاجة إلى دعاء ، لكن القضية المركزية لإسلامنا هي فلسطين ، وأي حديث عن إسلام من غير فلسطين حديث ناقص ، وأي حديث عن فلسطين من غير حديث عن إسلام حديث عن فلسطين التي لن تتحرر ، لأن فلسطين لا يمكن أن تتحرر إلا بالإسلام ، ولا يثبت الإسلام جدارته إلا بتحرير فلسطين ، فاللهم يسر أمورنا واشرح صدورنا وانصرنا على أنفسنا وأعدائنا نصراً مؤزراً يا رب العالمين ، نعم من يسأل أنت ، ونعم النصير أنت ، أقول هذا القول وأستغفر الله .

التعليقات

شاركنا بتعليق