يقول الله تعالى :
( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ) ، ويقول النبي صلى
الله عليه وآله وسلم : " أحبوا الله لما يغذوكم من نعمه ، وأحبوني لحب الله ،
وأحبوا أهل بيتي لحبي " رواه الترمذي ، ويقول أيضاً وقد أشار إلى الحسن والحسين
عليهما السلام : " من أحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة " رواه
أحمد ، وعند البخاري يقول عليه وآله الصلاة والسلام : " فاطمة بضعة مني يؤذيني ما
يؤذيها " .
من هذه الأحاديث وأمثالها ينطلق فضيلة الدكتور الشيخ محمود عكام ليعيش مع السيدة
الطاهرة فاطمة الزهراء ثناءً وولاءً ، بل مع أهل البيت كلهم ، فهم محل ثناء ،
ومتعلق ولاء ، وهم عامل وحدة ولقاء .
ويبدأ بتعريف الثناء فيقول :
الثناء : ذكر مستمر لمحامد الفعال ومحاسن الصفات .
والولاء : نُصرة يفرزها اتباع ، واتباع يُؤسَّس على حب المتبوع .
ففي الثناء تبرز الهوية ، وبالولاء يتحقق صدق الانتماء . وهل الثناء إلا إنتاج
قضايا تربط بين مفاهيم ، تعني في النهاية حكماً يظهر هذا الحكم خلاصة التفكير ،
ويكشف عن طبيعته اليقين ومكمن القناعة ، وهل الولاء إلا الموقف العملي الذي يعكس
مصداقية الثناء .
أما محاور الكتاب فقد جاءت على الشكل التالي :
أ- أهل البيت موطن ثناء ومُتَعلّق ولاء :
يذكر هنا النصوص التي تبرز أهل البيت بأنهم موطن ثناء ومتعلق ولاء ، مثل إقران
الصلاة عليهم بالصلاة على نبينا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، وجعلها - الصلاة
عليهم - واجباً من واجبات الصلاة " اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على
إبراهيم وعلى آل إبراهيم " ، وغير ذلك من النصوص الإسلامية التي تأمرنا بالتمسك
بهديهم وسنتهم ، فقد روى الترمذي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " تركت
فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، لن يفترقا
حتى يردا عليَّ الحوض " .
ب- الزهراء بين الثناء والولاء :
أما السيدة الزهراء على وجه الخصوص فقد ثبت وجوب الثناء بحقها ، فهي ركن البيت
لأنها البنت والزوجة والأم ومحل السر ، ومنطلق تسلسله الطاهر ، وقد قال عنها صلى
الله عليه وآله وسلم : " " فاطمة مني " رواه مسلم ، وقال أيضاً : " فمن أغضبها فقد
أغضبني " رواه البخاري ، ولما سئل : أي أهلك أحب إليك ؟ قال : فاطمة بنت محمد "
رواه ابن ماجه .
ج- الثناء تكليف بقولة الحق والجهر به :
فنحن مُتعَبدّون بالقول والفعل ، وهما في الجانب الإيجابي سداد وصلاح ، وفي الجانب
السلبي تيه وفساد ، وإذا كان القول محوطاً بإطار التكليف ليظهر السداد ويتلاشى ما
سواه ، فما هي مساحة الثناء المطلوبة فيه حيال السيدة فاطمة عليها السلام ؟ إنه
سداد يشكل جزءاً من ديننا ، وصواب مطلوب في شريعتنا .
د- جدلية الثناء والولاء :
حين يكون الثناء تكليفاً قولياً ، فالولاء هو روح التكاليف العملية ، لترتبط هذه
التكاليف به مقدِّمة جادة فاعلة مفضية إلى حقيقة قائمة في ذات العبد .
والسيدة الزهراء عليها السلام محل ثناء ، كُلِّف بذلك المسلم ، ومُتَعلَّق ولاء إذ
يقتضي الثناء ذلك .
فالولاء شعور عميق وأكيد بضرورة التضحية أمام المُوالى ، وممارسة عملية لهذا الشعور
، والسيدة فاطمة لم تعش زمناً دون زمن ، بل تمتد مع كحل الزمن ، امتداد أبيه
المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، فليتني كنت معها فأنصرها .
هـ - فلنتحقق بالولاء بعد الثناء :
ما أروعها من عبارات يدعو فيها فضيلة الدكتور إلى الولاء قيقول :
فإلى متى نختلف في مضمون الولاء ومتعلَّقه ؟! وإلى متى ستبقى المنعكسات الشرطية هي
المعبِّئة له ؟!
لقد سامنا كل مفلس ، وانتُزعت مهابتنا من قلب عدونا حين صارت خطوط التاريخ أقوى في
تكويننا من نصوص القرآن ، وأضحت ذبذبات السياسة في ملف الزمن السابق أقوى أثراً
فينا من معاني السنة المشرَّفة ، الداعية إلى الوحدة والاعتصام .
و- سيرة أهل البيت امتداد لسيرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم :
إنها سيرة طهر ومعيار صدق ، ومنهج علم وطريق إخلاص ، فلنُخرجها من حيِّز الثناء إلى
ساح الولاء ، ومن أُطر التمجيد إلى وقائع الرشد والترشيد ، فما قالوه سداد ، وما
فعلوه صلاح ، والدعوة إلى الأمرين منهما دعوة إلى الله على بصيرة .
ويختم مؤلفنا هذه الدراسة بمناجاة - ما أروعها - للسيدة الطاهرة البتول ، فيخاطبها
بقوله :
وأنت أيتها السيدة البتول الزهراء ، اقبلي من خادم على أعتابكِ ، " محمودٍ " بخدمة
نعالكِ ، نفحةً يرجو من الله أن تكون بعضَ واجب الثناء ، وتصحيحاً على العهدِ على
التحقق بالولاء .
التعليقات