آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


مـــــــــؤتمرات

   
الملتقى الفكري حول فلسطين / قضية فلسطين بين العروبة والإسلام

الملتقى الفكري حول فلسطين / قضية فلسطين بين العروبة والإسلام

تاريخ الإضافة: 2004/12/06 | عدد المشاهدات: 4698

ضمن البرنامج الذي أقامته مؤسسة الشجرة للذاكرة الفلسطينية في الفترة من 6/12/2004 ولغاية 9 / 12 / 2004 بعنوان : الملتقى الفكري حول فلسطين ، القضية الفلسطسنية في مائة عام ، وبدعوة من وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية تقدم فضيلة الدكتور الشيخ محمود عكام ببحث بعنوان : قضية فلسطين بين العروبة والإسلام . وقد ألقي هذا البحث في المؤتمر بالنيابة .

نص البحث

 

قضية فلسطين بين العروبة والإسلام

أولاً : من أصحاب القضية ؟
لا شك في أن لكل قضية صاحباً أو أصحاباً ، وإذا كان ثمة قضية فلسطينية فمن هم أصحابها ؟ وللجواب على هذا السؤال لا بد في البداية من تحديد المعنيين بهذه القضية ، وبالتالي فالمعنيون بها إلى حد التبني هم أهلها وأصحابها .
كما لا بد أيضاً من تبيان أمر هام يتعلق بالدراسة وهو : إن هذه القضية سميت ودعيت قضية فلسطين شكلاً وعنونة ، لأن المضمون ليس " فلسطين " باعتبارها قطعة أرض جغرافية ، وإنما المضمون فلسطين من حيث كونها حاضناً " للقدس الشريف " ، والقدس مدينة مُقدسة لدى المسلمين كمكة المكرمة والمدينة المنورة ، فهي تضم المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومعراجه إلى السموات العلى .
بَيْدَ أن هذا لا يعني إبعاد خط الجغرافيا والعرق من أن يكون أربابها معنيين بها وأحق بها وأهلها .
فها نحن أولاء – إذاً – أمام ثلاثة امتدادات للمسؤولية عن فلسطين وقضيتها :
فالمسلمون معنيون وهم أولو امتداد القدس عقيدة وشريعة ، والعرب بنوها - أعني القدس – معنيون بالمسؤولية بدافع واجب التاريخ والأصالة والجغرافية ، والفلسطينيون بالذات هم أهل الامتداد الثالث ، لأن فلسطين وطنهم الشرعي وأرضهم ومحل امتلاكهم .
فالقدس – في النهاية – لبُّ فلسطين وجوهرها ، وهي عربية النشأة ، إسلامية الهوية ، تشكل مع المدينتين المقدستين – مكة المكرمة والمدينة المنورة – محوراً رمزياً يتجاوز قضية الجغرافيا ولا يهملها ، بل غدا قضية على مستوى الصراع الحضاري ، وقد أريد له أن يكون مجرد حالة دينية ضيقة تتحرك في هامش الخصوصيات الإسلامية الذاتية الغارقة في الصراعات الصغيرة (1) ، وأن يعزل عن كل مواقع القوة ، ويقصى عن مواطن القداسة الروحية المتمثلة في خصوصيته المنفتحة على كل قداسات الديانات الإلهية .
نعم ، القدس عربية لأن الكنعانيين بنوها ، وهي إسلامية ، وإسلاميتها ممتدة ، لأن هذه الإسلامية لا تقتصر على خصوصيات المرحلة الإسلامية المنطلقة من نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، بل كانت بدايتها منذ انطلاقة صفتها الدينية المقدسة في وعي الأنبياء الذين عاشوا فيها وهاجروا إليها ، وتحركوا في رحابها وامتدوا إلى ما حولها ، وقد تعاقب على القدس من الأنبياء ما لم يتعاقب على مكة المكرمة .
وهكذا وبناء على ما سبق فليتقدم الفلسطينيون المواطنون الشرعيون ومعهم العرب بناة القدس ومشيدوها وأهل أرضها ، ومع هؤلاء واولئك المسلمون الذين ترتبط القدس لديهم بالعقيدة والشريعة والتاريخ .

ثانياً : القدس في نصوص الدين الإسلامي :
قال الله تعالى : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير ) الإسراء : 1 . وقال تعالى : ( يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة ) المائدة : 21 ، والأرض المقدسة هي القدس .
وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " إن الجنة لتحن شوقاً إلى بيت المقدس ، وبيت المقدس من جنة الفردوس و هو سُرَّة الأرض " (2) . وعن ميمونة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالت قلت يا رسول الله أفتنا أفتنا عن بيت المقدس . قال : " نعم المصلَّى ، هو أرض المحشر وأرض المنشر إيتوه فصلوا فيه ، فإن الصلاة فيه كألف صلاة " قلت بأبي وأمي أنت ، ومن لم يطق أن يأتيه ؟ قال : " فليهد إليه زيتاًيسرج فيه ، فإن من أهدى إليه كمن صلّى فيه " (3) ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : " من أهلَّ بحَجَّةٍ أو بعمرة من المسجد الأقصى غفر له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر " (4) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث القدسي أن الله عز وجل قال : " أنت جنتي و قدسي ، وصفوتي من بلادي ، من سكنك فبرحمة مني ومن خرج منك فبسخط مني عليه " (5) ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : " لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين ، لا يضرهم من خالفهم ، ولا ما أصابهم من البلاء حتى يأيتيهم أمر الله وهم ذلك . قالوا يا رسول الله و أين هم ؟ قال : " في بيت المقدس و أكناف بيت المقدس " (6) ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : " لا تشد الرحال إلا لثلاث مساجد ، المسجد الحرام ، و مسجدي هذا ، والمسجد الأقصى " (7) ، وعن أبي ذر رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى عن الصلاة في بيت المقدس أفضل ، أوفي مسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ؟ فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم : " صلاة في مسجدي هذا خير من أربع صلوات فيه ، و لنعم المصلَّى - أي بيت المقدس - هو أرض المحشر والمنشر ، و ليأتين على الناس زمان ولقيد سوطِ ، أو قال : قوس الرجل حيث يرى منه بيت المقدس خير له أو أحب إليه من الدنيا جميعاً " (8) .

ثالثاً : النصر على الصهيوني المحتل طريقه المقاومة الموحدة :
1- لا بد من كلمة في التمهيد : وليعلم من يريد أن يعلم :
أ – أن انتصار الصهيونية في هذه الفترة وتحقيق أهدافها ومخططاتها لم يكن انتصار رسالة على رسالة ولا انتصار أمة على أمة ، ولا انتصار دين على دين ، ولا حق على باطل ، فإن اليهود ليست لهم أي رسالة في هذا العصر ، كما لم تكن هناك معركة بين اليهود والأمة الإسلامية أو الشعوب العربية ، فإنه لم يسمح لهذه الأمة ولا لهذه الشعوب أن تخوض هذه المعركة وتبرز جدارتها وكوامنها ولم يسمح كذلك للإسلام بالخوض في حرب حزيران ، بل عزل عن الميدان وأقصي عن ساحة الحرب بتصميم وإرادة .
إن جل ما هنالك في ذاك الانتصار أنه انتصار أقدر قيادة على أخيب قيادة (9) .
ب- إن قضية فلسطين سهلة هينة ، وإن انتصار العرب مضمون اذا كانوا أحراراً في تصرفهم ، مالكين لزمامهم ، مدبرين لسياساتهم ، مغامرين بأرواحهم وجنودهم ، محكمين لسيوفهم وأسنتهم ، واثقين بنصر الله ، معتمدين على سواعدهم فقط ، متمردين على المادة والشهوات ، مصممين على الكفاح والجهاد .
وعلى القضية أن تملك علينا المشاعر والتفكير ، وتغدو الهمَّ الشاغل والهاجس الذي لا يغادر . يقول القاضي بهاء الدين المعروف بابن شداد المتوفى سنة 632 هجرية عن صلاح الدين محرر القدس من الصليبيين : " تابَ عن المحرمات ، وتركَ الملذات ، ورأى أن الله خلقه لأمر عظيم لا يتفق معه اللهو والترف ، ولقد كان حبه للجهاد والشغف به قد استولى على قلبه وسائر جوانحه استيلاء عظيماً بحيث ما كان له حديث إلا فيه ، ولا نظر إلا في آلته ، ولا كان له اهتمام إلا برجالاته ، ولا ميل إلا إلى من يذكره ويحث عليه ، وكان رحمه الله عنده من القدس أمر عظيم لا تحمله الجبال " (10) .
مسؤولية فلسطين قد قسمت على شعوب كثيرة ، ولكن ليس شعب بأولى من شعب في تحمّل كل المسؤولية أو جلها ، فهي في النهاية مسؤولية الجميع .
2- إشارات لها دلالات :
اليهود الصهيونيون يعيثون فساداً وينفثون السموم ، سمهم عداوة وبغضاء وحقد وكراهية ومكر وخداع وقتل واستباحة وتشريد وتلفيق وأكاذيب كالحيات السامة القاتلة، ومن كان كذلك فحظه القتل أنّى كان كالحية الزعفاء ولذلك قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم : " ما سالمناهن منذ حاربناهن - يعني الحيات - و من ترك قتل شيء منهن خيفة فليس منا " (11) ، ويقول صلّى الله عليه وآله وسلّم : " من قتل حية فله سبع حسنات " (12) و قال أيضاً : " اقتلوا الحيات كلهن " (13) فاليهود الصهاينة لا يُسالمون على اختلاف أسمائهم وأسماء أحزابهم ، فهم في الإيذاء جميعاً سواء ، قتلوا الأنبياء واعتدوا على الحرمات ، وكذبوا على الله ، وشوهوا صور الملائكة ، ونالوا من الأبرياء ، ولم يسلم منهم الأطفال والنساء العفيفات لقين منهم العنت وما من رذيلة إلا فعلوها . فيا أمة الخير لا لقاء مع الشر ، إلا بمواجهة و مجاهدة ويا أمة الإيمان لا لقاء مع الكفر المعتدي الآثم إلا مضارعة مقاتلِة ، ويا أمة الوفاء لا لقاء مع الغدر الحاقد الظالم إلا مناورة مسالِحة .
3- وللعربي الواعي فارس الخوري رأي :
نصيحتي لكل عربي ولكل مسلم ولكل عامل في الحقل الوطني والسياسي أن لا صلحَ مع اليهود مهما يكن نوع الصلح ومداه ، فإن أي صلح مع اليهود مهما يكن نوعه ، ومهما يكن السم الذي يعنون به هو تضحية بالأمة العربية على مذبح الحماقة والجهل والمطامع الوقتية ، وهو عار يلحق صاحبه أو يلحق مرتكبه على مدى الأزمان ، لأنه سيكون حتماً بداية القضاء على هذه الأمة وعلى جميع مقوماتها المادية والروحية .
ثم إن عقد الصلح مع اليهود سيجعل العرب مسؤولين دولياً عن المحافظة على الوضع الذي سينشأ عن قيامه ويفقدهم حرية العمل ، ويجعل من العسير عليهم القيام في المستقبل بأي عمل يرجى منه صيانة عروبة فلسطين فضلاً عن تحريرها .
ولا يصدقن أحد ما تردده دوائر الاستعمار من أن الصلح مع اليهود سيقر الأمن والسلام في الشرق الأوسط كما تزعم الدول الاستعمارية وستضع حداً للمطامع اليهودية في بقية الأقطار الأخرى ، لأن اليهود سيلجؤون لأساليب أخرى في القضاء على الأمة العربية – لو تم صلح ما معهم – عن طريق نشر المبادئ والآراء والعقائد والأخلاق التي تجافي آداب العرب وروح الإسلام والمسيحية في هذه الديار ، مما يسهل عليهم بمرور الزمان القضاء على الكيان العربي وعلى الروح الإسلامية القضاء المبرم الذي لا نهوض بعده .
فليتدبر المسلمون والعرب أمرهم ، وليقاوموا أشد المقاومة كل فكرة لفرض صلح عليهم مع اليهود ، وليستعدوا دائماً وأبداً للجولة الحاسمة ولو اقتضى الأمر من الصبر قروناً وأجيالاً " (14) .

التعليقات

شاركنا بتعليق