- ألقى فضيلة الدكتور الشيخ محمود عكام محاضرة بعنوان : تزاوج العروبة والإسلام الصيغة المثلى لتجاوز الخلاف والتخلف ، وذلك ضمن ندوة العروبة والإسلام التي أقامها فرع نقابة الأطباء في حلب .
وهذا نص المحاضرة
تزاوج العروبة والإسلام
الصيغة المثلى لتجاوز الخلاف والتخلف
لسنا في معركة ، وحاشا ، لكننا نريد
إمعان النظر وإعادة الفكر في قضية العروبة والإسلام ، وما الإمعان والإعادة إلا
لتكريس وتعميق الربط والارتباط ، أما الربط فبين الإسلام والعروبة ، وأما
الارتباط فالعربي بالإسلام والمسلم بالعروبة .
فالإسلام دينٌ لمن يؤمن به وثقافة لمن لا يؤمن به ، والعروبة أصالة لأهلها
ومشاركة في الحضارة العالمية لغير أهلها ، وها نحن نتابع بعض القواعد في هذا
الشأن ليصار إلى رسم مشروعٍ جادّ تصب فيه ثقافة المسلمين عن العروبة ، وثقافة
العرب عن الإسلام ، ويعتمد المشروع ميثاقاً ، ويغدو الميثاق مصدقاً ، لأن
المواجهة الكبرى بدأت ، وبدايتها تعني الاستعداد للترشيح لطرفي هذه المواجهة .
والترشيح لا يَرِدُ على مفكَّك الذات ، مبعثر الصفات ، صغير الإطار ، مستَوعب
الثقافة ، وإنما المؤهل للطرفية – في هذه القضية – متماسك مستجمع واسع المحيط ،
عالمي اللهجة ، واثق التاريخ ، فاهم المستقبل .
ولذا فإني أرجو أن أسجّل هنا بنودَ فكرِ ساعٍ إلى النهضة ، وحريصٍ على
الإنسانية متجلية في صيغ تعايشية بناءة قائمة على نواة الإسلام العام في ثوب
العروبة الهام .
قد أكون حالماً ، ولكن بداية الحقيقة حلم ، أوليست النبوة بدأت برؤيا ؟!
1- قوميتنا العربية طبيعية وحقيقة راهنة ، وواقعية استوت على فكرة " الإنسان
ترعاه السماء " و " الإنسان عبدٌ لله " :
لها أهداف هي في مجملها سعادة الإنسان في الدنيا المرئية والآخرة اللامرئية ،
ولها حقوق ، هي حقوق الإنسان كما هو ، وقد رأت في ذاتها قدرة التعبير والإعراب
عن هذه الحقوق ، فهي والبيان صنوان ، وهي والفصاحة عشيقان .
2- العروبة مكاناً ولساناً ورسولاً اختيار إلهي مقنع ، وواقع أرضي يستمد
موثوقيته من السماء ، فلا تجاوز لهذا الاختيار ولا مجانبة لهذا الواقع .
( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) المائدة : 124 .
( إنا أنزلناه قرآناً عربياً ) يوسف : 2 .
( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدىً للعالمين . فيه آيات بينات
مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً ) آل عمران : 96 – 97 .
3- لم تكن قضية العروبة والإسلام مشكلة في يوم من الأيام السابقة ، لكنها أضحت
كذلك حين جدَّ الانفصاليون في التاريخ وإلى أيامنا الآن في فصل الروح عن الجسد
، وإشاعة العداوة بينهما ، وفصل الشخصية عن الهوية ، وإذاعة الشائعات المعادية
بينهما ، فنبه هذا بدوره ذوي الوسطية ورأوا بالاستعمار الأوروبي المشفوع
بتبشيرٍ ديني ، وفي ضعف الدولة العثمانية وعدم قدرتها على حماية الدول والشعوب
العربية ، وفي خيانة الاتحاد والترقي في عهوده التي قطعها مع العرب ما دفعهم
إلى يقظة بعد نوم ، وإلى تجديد الوعي بعد ضياع ، فتنادوا إلى ساح الإسلام
والعروبة قرينان لا ينفكان ، وزوجين لا تطالق بينهما ، فالإسلام والعروبة
متشابكان تشابكاً عضوياًمتفاعلاً لا مجال لفصل الواحدة منهما عن الأخرى .
4- لقد تحركت أوروبة قومياً فقدمنا في مواجهة هذا التحرك قومية جامعة منفتحة :
لا تقوم على العرق والتعصب ، وإنما قوامها لسان سهل ، ولغة قادرة على العولمة
والسّعة والاستيعاب .
واليوم تتحرك من حيث المبدأ - وكذلك الصهيونية ومن ورائها أمريكا – فلنتحرك
كذلك غير مهملين الإطار القومي الذي لا ينفصل عن المبدأ أبداً ، وعلينا أن نعلم
أن المستعمر قديمه وحديثه ما دعانا يوماً ما إلى تمسك بعروبة أو دين ، بل دعا
في أحسن أحواله إلى التمسك بإقليميات متعادية متناحرة لتنفيذ خطته " فرق تسد "
.
5- القومية العربية انتخاب طبيعي يعني سير الطبيعة بنا ، وسيرنا بها بانسجام
ودونما اعتداء . أما الصهيونية فانتخاب صناعي يقوم على قسر الطبيعة والعيّ
الفتك والعنف ، ولذا فالطبيعة تنتقم منه وتهدمه , والصهيونية على هذا زائلة ـ
بحكم الطبيعة وآثار السنن الكونية ـ لا محالة , وزوالها مرهون بتماسك أولي
الانتخاب الطبيعي .
6- إذا كان الإنسان بين شخصيةٍ تُجلِّيه ، وهُويةٍ تُحققه فالشخصية عربية
والهوية إسلامية ، والإسلامية واسعة المعنى كما ألمحنا ، مترامية المساحة كما
أكّدنا ، لا تخرج من إطارها ومحيطها من أراد الدخول فيها .
وإرادة الدخول انتساب ثقافة ومعاصرة ، ومشاركة عن قناعة في بناء حضارة .
لقد أجاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم عن سؤال وُجه إليه يتعلق بالشخصية : "
مَنْ أنت ؟ " بقوله : " أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم ... " ثم
أجاب عن آخر يتعلق بالهُوية : " ما أنت ؟ " بقوله : " أنا عبد الله ورسوله " .
العربية هي الرداء الأصل للإسلام فمن خلعه فليستبدل به شبيهه ، ومن لم يكن
يملكه فليجهد في تملكه ، لأنه في مُكنة التكليف .
7- القومية العربية تصطنع إيمانياً من القلب إلى العقل ، وتكون مرنة لا تصدم
بالعقل ، بل تتسع له تفكيراً وتعليلاً ، وهي في ذات الوقت عميقة قادرة على
الاستهواء ، لها شفافيتها ومصداقيتها .
لا تحكي في ظهورها أحداً لأنها فريدة متحولة تتطلب تقليداً واتباعاً ، هي في
خير الإنسان وإن لم يكن الإنسان في خيرها أحياناً ، والفرق نوعي بينها وبين
الإقليمية ، لأن الثانية لملمة لآثار وتحديد لتراب وفرز لجثث ومخالفة لتطلع
السعة لدى الإنسان ومعارضة لطلعته فيما يخص اللقاء والجوار .
8- إلى العرب أبناء الخلود عبر رسالة السماء التي اختارتهم ، وإلى بناة المجد
في التاريخ القديم المؤسس ، إلى من يجب أن تسري فيهم روح الشهداء لتكون حافزاً
على الجد والعمل .
9- العروبة هي الوعاء الذي ظهر فيه الإسلام أول مرة ، ومنه امتد واتسع في
الآفاق : ومن هنا فقد بقي هذا الوعاء قائماً منذ شكله الإسلام ، ولا يزال على
مدى التاريخ له مكانه القيادي الواضح ، حيث إنه " الأم " التي حملت لواءه
وانداحت به في العالمين .
10– المنطقة كلها لها أرومة واحدة هي الجزيرة العربية ، ولها دين واحد هو دين
إبراهيم : الذي تفرَّعت منه اليهودية والمسيحية والإسلام ، وهذه المنطقة هي
الكيان العملاق الضخم والذي لا يوصف بأنه قومية ولا أمة ، بل هو تشكلٌ ضخم
قوامه العروبة والإسلام .
إنها قوة إنسانية كبيرة على قاعدة عريقة لها امتدادها الطبيعي اللغوي والفكري
الذي يمثله الجناح الأيسر من المغرب العربي ، ولها امتدادها الفكري الذي تمثله
فارس وأفغانستان والهند والملايو وتركيا .
11- إن هذا التشكل العربي الإسلامي قد برز في التاريخ منذ تسعة قرون وزيادة في
وجه تحدٍّ خطير هو الغزو الصليبي والمغولي ، واستطاع تأكيد وجوده وتحطيم الغزو
وسحقه .
12- الإسلام صانع العروبة وداعمها من حيث كونها أصالة لأهلها ، ومساهمة في
الحضارة لغير أهلها : فقد كان العرب قبل الإسلام في عزلة فجعله الإسلام محوراً
في العالم ، وكانوا يتحدثون بلهجات مختلفة فغدوا به ذوي لهجة واحدة ، وهكذا ...
13 – يقول علي الطنطاوي : " من قال بالعروبة قال بالإسلام ، لا انفكاك عنها ،
ومن قال بالإسلام قال بالعروبة ، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم عربي والقرآن
عربي " .
14- أخيراً : هي كلمة إلى المختلفين من العرب مع المسلمين والمسيحيين ، وإلى
المختلفين من المسلمين والمسيحيين مع العرب : إن من يتبرأ من دينه مسلماً كان
أو مسيحياً لنصرة عروبته ما أوشكه أن يتبرأ من عروبته نصرةً لدينه اذا تبدل
حالٌ بحال .
وفي الختام :
وللهندي المسلم العالِم – أبي الحسن الندوي – كلمة : " إن مصير المسلمين في كل
بلد مرتبط بمصير العرب ، فإذا عزَّ العربُ عزَّ الإسلام والمسلمون ، وإذا ذلَّ
العرب ذلّ الإسلام والمسلمون ، أولئك الذين لا أعدِل بهم قوماً ، ولا أعدل
بكتابهم كتاباً ، ولا أعدل بلغتهم لغة ، ولا أعدل بحضارتهم حضارة ، على ذلك
أحيا وعلى ذلك أموت !
فلا بقاء للإسلام والمسلمين لو قامت لهم ألف دولة وارتفع لهم ألف علم ولا شرف
لهم ولا كرامة ، ولا هدوء ولا راحة إذا ذل العرب وفقدوا هذه المنطقة التي فيها
مقدساتهم وهي معقل الإسلام ومصدره ومأرزه " .
التعليقات