آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


نــــــــــــدوات

   
المسنون من منظور إسلامي/ الكويت

المسنون من منظور إسلامي/ الكويت

تاريخ الإضافة: 2000/10/18 | عدد المشاهدات: 4444

- المسنون من منظور إسلامي أو بر الكبار في الإسلام .
آ-مقدمة: دوافع البحث:
هي ثلاثة دوافع :
أولها : إرضاء العلي القدير لأن البحث والمعرفة من أرقى العبادات في دينيا الحنيف ، بل المعرفة أساس العبادات و الأعمال في الإسلام ، فإذا رفعت منها غدت العبادةُ عادةً ، وعادة تبعث على الملل و السأم .
ثانيها : إرادة جادة لبناء مجتمع متماسك متضامن متعاون قائم على معرفة كل فرد نفسَه ماله وما عليه ، ليتم التعاون المثمر والمنتج . وما المجتمع في حقيقته الجميلة إلا حركة أفراده المعرفية و السلوكية ، فإن كانت خيّرة فالمجتمع كذلك وإن لم فلن.
ثالثها : سعيٌ خفي مشروع لحفظ ذواتنا في المستقبل المغيّب بتفاصيله عنّا ، فالفعلة مجزيٌ فاعلها بمثلها ، إن خيراً فخير، وإن شراً فشرّ ، وصدق رسول الله صلّى الله عليه وسلم القائل : ( ما أكرم شاب شيخاً لسنه إلا قيّض الله له من يكرمه عند سنه) الترمذي .

ب – حق المسن على من دونه في السن:

1- توصيفٌ قبلَ الحقِّ : المُسِنّ ماضيك الجميل :
الإنسان من حيث الزمن ذو أبعاد ثلاثة، ماضٍ وحاضرُ ومستقبل ، فهو مستقبلُ لمن قبله ، وماضٍ لمن بعده، وحاضرُ في ذاته ولذاته، وأهم زمن لديه هو الحاضر، والماضي والمستقبل لتدعيم حضوره ، ومن هنا كانت الحضارة تعني الحضور ، حضورَ الإنسان في عصره وحضورَ عصرِه فيه ، ومن غاب عن عصره وغاب عصره عنه فليس بحضاري، وعلى هذا فالحضارة الإسلامية هي حضور المسلم بقيمِه وعقيدته وسلوكه في عصره ، وحضور عصره فيه ، في كلامه وتوجهاته وعنايته ورعايته وأهدافه وغايته .
فلا تلجأ إلى الماضي فقط وتهمل الحاضر، وإياك أيضاً أن تنظر المستقبل وتترك الحاضر . بل اعتبر بالماضي واعمل في الحاضر واجعل الأمل في مستقبلك ، وكن مع كل الأزمنة واقعياً ، ولها فاهماً ولتقلباتها واعياً.
الماضي أبوك فلا تقل له أف، والحاضر أنت فلا تحقرن من المعروف شيئاً، والمستقبل ولدك فاجعله صالحاً يدعو لك.
هذا توصيفٌ فأما الحق : فإليكَه في ثلاث شُعب :
الأولى : الكلمة الطيبة :
قُلها لماضيك، لسلفك في الإنسانية ، لمن سبقك بالوجود (ولا تقل لها أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمها كما ربياني صغيراً ) ، ولنقنِّن الكلمة هذه في موادٍ ، ولنجعل لها مؤيدات جزائية ثوابية وعقابية ، ولنقدمه إلى أولي الأمر ليأخذَ بُعدَ التنفيذ ، فعصرنا عصر قانون وبنود واتفاقات، ولنقل في هذا المشروع مَن فعل كذا خيراً أثيب، ومن قال كذا شراً عوقب، …الخ ، و الإثابة محددّة ، والعقوبة كذلك، ومساحة أحكام الهدية في الإسلام تتسع للجانب الثوابي، ومساحة التعزير وأحكامه في الإسلام تتسع للجانب العقابي.
نعم الدنيا اليوم لم يعد يقبل أهلها قيماً تاريخية تجول في الفراغ بل لا بد من تفعيل هذه القيم وجعلها قيماً فعلية وتحويلها إلى مؤسسة ذات كيان، ونظام داخلي ذي وجود .
وحديث ( ليس منا من لم يعرف حقّ كبيرنا ) مستندٌ لنا، والمعرفة هنا معرفة بالقوة ولا تتقوّى المعرفة إلا إذا قُنِّنت سلوكها وحينها لا جهل بالقانون.
الثانية : السلوك العَوني :
أتبعِ الكلمة الطيبة سلوكاً مترحماً ، أعِن وساعد، ولا تبخل وإياك والكسل وليكن ابتغاءُ وجه ربك غايتك ، وانظر قوله تعالى: (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً )،وإلا فعملك ثقيل ثِقَل الجبال على من يُعين.
وما قلناه في "الكلمة الطيبة "عن ضرورة التقنين نردده هنا ، ولنضع دستوراً يوضح سبل التعاون والعون ولنفصّل في ذكره ، ولتكن المواد هذه في كل مجتمع مناسبةً له ، وعلى قياسه ، وليكن هذا القانون مفتوحاً قابلاً للزيادة ، وظنّياً قابلاً للتبديل والتحوير والاجتهاد الآخر في ذات الفعلة ، وقوله صلّى الله عليه وسلّم : ( ليس منا من لم يُجِلّ كبيرنا ) مستندٌ لنا في هذا الشأن ، إذ الإجلال تنزيهٌ عما لا يليق وعما لا يقدر عليه ، والتنزيه هنا ممارسة وعمل ومسارعة وافتداء وتضحية وتفعيل وتمأسُس .
الثالثة : التلمذة المتواضعة :
كنا ولا زلنا نسمع مثلاً شعبياً مفاده : " أكبر منك يوماً أعرف منك سنة " نعم الأيام مدارس والسنوات معاهد، فمن ولجها قَبلَك أصبح لك أستاذاً فيها ، ومن قطَع شوطاً في أروقتها أكثر منك أضحى عنك مسؤولاً .
والأستاذية والمسؤولية هنا قوامها خبرة بتدابير الزمن وأحداثه وحوادثه ، وعبرة بنتائج الأحداث والحوادث ، فإن لم يستطع سلفُك التعبير فلا تحسبن ذلك جهلاً ، بل عليك استخراج هذه الخبرات وتلك العبر بما ملكت أنت من أدوات ، ولا تبخس الناس أشياءهم لمجرد عدم رؤيتك لها ، ومن بباب أولى أولئك الذين ما بخسوك مهجهم .
أقعد أمامه على ركبتيك وتواضع وأنت تسأله عما وقع يوم لم تكن أنت ، وعن نتائج هذا الذي وقع فسيعلّمك لأنه تاريخ والتاريخ من خير المعلمين ، ولشدّ ما فقدنا أسراراً نافعة لأننا لم نتعرف على حقيقة ما مضى من التاريخ القريب منه والبعيد .
لا تستخفّ بالتاريخ ولا تعتدِ عليه، ولا يجرمنّك عدم رضاك عنه على احتقاره ، احترمه هو أقرب للتقوى والإنسانية الصالحة ، فقد صلّى الله عليه وسلّم : ( ثلاثة لا يستخفُّ بهم إلا منافق: ذو الشيبة في الإسلام ، وذو العلم ، وإمام مقسط ) .

جـ – لي ملاحظة : 

إني وإن عنونت مداخلتي هذه بـ : " المسنون من منظور إسلامي " انسجاماً ظاهراً مع عنوان الندوة لكنني في الحقيقة على حذرٍ ، بَلهَ وتوقّف ، فمصطلح المُسِنّون – وما دفعنا نتحدث من منظور إسلامي – لم يستخدمه الإسلام في مصادره ولا في أدبياته وإنما كان المصطلح المعبًر عن هذا واحداً من ثلاثة : "شيخ" ، "ذو الشيبة" ، " الكبير " . 
فقد قال القرآن الكريم : ( ثم لِتكونوا شيوخاً ) ، وقد قال صلّى الله عليه وسلّم : ( ما أكرم شاب شيخاً لسنه إلا قيّض الله له من يكرمه عند سنه ) ، وقال : ( إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم ) ، وقال أيضاً : ( ليس منا من لم يعرف حق كبيرنا ) ، وقال : ( البركةُ مع أكابركم ) . طبراني.
وكل هذه المصطلحات : من " شيخ وذي شيبة وكبير " تدل التزاماً أو بدلالة الالتزام كما يقول المناطقة على التقدير والخبرة والجدّ والسعي فالشيخ عامل ومتابع ومتماسك مع نفسه ، وذو الشيبة خبير ، والكبير كبير . 
وأما كلمة مُسِنّ فهي اسم فاعل من "أسنَّ " "يُسِنّ فهو مُسِنّ " ، ومعنى " أسنّ ": إما أن يكون من " السَّنة " وحينها " أسنّ " أزال السنين أو سنيَّ حياته وجاوزها لأن الهمزة المزيدة على الفعل الثلاثي هنا تفيد الإزالة كقولنا : " أعذر من أنذر" أي أزال العذر .
وإما أن يكون من " السِنّ " الذي في الفم وعندها " أسنّ " تعني أزال أسنانه من فيه . 
وكلا المعنيين يشير بدلالة الالتزام أيضاً إلى انتظار الموت وفوات الحياة على المعنى الأول ، و إلى الضعف على المعنى الثاني ، وما هاتان الدلالتان بمحبوبتين .
ثانياً : لِمَ هذا التخصيص وذاك الإِفراد على أساس السنّ وهل يكفي هذا سبباً تتشكل على أساسه مجموعة تطالب بحقوقها، إذاً فليكن الشباب سبباً أيضاً لفرز جماعة تسمى بذلك وتطالب بحقوقها ، وكذلك الأنوثة و المراهقة وما بعد المراهقة وما قبل المسنيّة … وإذا استمر الأمر كذلك فقد قسَّمنا المجتمع إلى مجموعات وفكَّكناه إلى قطاعات وراحت كل مجموعة وكل قطاع ينادي بحقوقه ، وتعالت صيحات الإلزام ، وخفقت كلمات الالتزام . 
يا ناس: الإسلام - وما دمنا نتحدث من منظوره في هذه الندوة -، أناط الأمر فيما يخصّ التكليف بالبلوغ والعقل فمن حازها كان صاحب أهلية كاملة يصلح معها للخطاب الشرعي وليستمر على ذلك إلى أن يموت.
وليس مجرّد السن وكر الأعوام طارئاً يغيّر من أهليته أو يستوجب فصلَه مع أمثاله ليأخذوا أحكاماً خاصة ، ولا الأنوثة كذلك . لأن المطلب الرئيس للمجتمع الإنساني العاقل توسيع الإطار المستوعب لأكبر عدد ممكن من أفراده في الحكم . أما حديثنا عن بر الكبار في الإسلام[1] فليس أكثر من تذكير بضرورة التمسك بخلق إسلامي أصيل .
ثالثاً: ما دمتم يا سادة قد اعترفتم بأنكم أو أغلبكم مُسِنّون ، إذاً فاتركوا الشباب يتحدثون عنكم وعن حقوقكم عليهم ، وتحدثوا أنتم عن حقوق الشباب عليكم وبهذا تنتفي الغرضية ويغدو السعي أقوى والاستجابة للتفعيل أدعى، ويتنادى الجميع متنافسين في الخير .
والعاقل من عرف ما عليه قبل أن يعرف ما لَه فقام بما عليه وجهد في الاستعفاف عمّا له .


1 ألقيت هذه المحاضرة في ندوة حقوق المسنين من منظور إسلامي التي أقيمت في الكويت من 18-21/10/1999
[1] وهذا ما اخترته بديلاً عن حقوق المسنين في الإسلام 

التعليقات

شاركنا بتعليق