آخر تحديث: الجمعة 19 إبريل 2024
عكام


مـــــــــؤتمرات

   
كلمة في جامع الأقصاب بدمشق بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف

كلمة في جامع الأقصاب بدمشق بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف

تاريخ الإضافة: 2006/04/01 | عدد المشاهدات: 3085

بدعوة من الدكتور الشيخ محمد عبد اللطيف الفرفور مدير مجمع الأقصاب بدمشق شارك فضيلة الدكتور الشيخ محمود عكام في الاحتفال الذي أقيم بمناسبة ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في جامع الأقصاب بدمشق، بحضور سفير إيران في دمشق، وعدد من السادة المسؤولين وأعضاء مجلس الشعب، وجمع من السادة العلماء وطلاب العلم، وجمع غفير من الإخوة المؤمنين، وذلك يوم الأحد: 13 ربيع الأول 1427 الموافق: 1 نيسان 2006.  وقد ألقى الدكتور عكام خلال الاحتفال كلمةً تحدث فيها عن رسول الله الرحمة المهداة، وفيما يلي نص الكلمة:
 

يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك:

يا رب إني بجوارك لائذ وبحصن عفوك من عذابك عائذ

ولديك جاه المصطفى هو نافذ فله التجأت فلن أرى محروماً

صلوا عليه وسلموا تسليماً

قد كنت قبل مديح أحمد مجرماً وبه غدوت بحمد ربي مسلماً

فاجعل إلهي منةً وتكرماً أجلي بدين محمد مختوماً

صلوا عليه وسلموا تسليماً

أيها الإخوة، أنا أمام ثلاث كلمات: البشرية، الإنسانية، الرحمة.

البعد الخيري للبشرية إنسانية، والبعد الخيري للإنسانية رحمة، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استنفدت إنسانيته كل بشريته، واستنفدت رحمته كل إنسانيته، وبعبارة أخرى استغرقت إنسانيته كل بشريته، واستغرقت بشريته في إنسانيته، واستغرقت رحمته كل إنسانيته، واستغرقت إنسانيته في رحمته، فكان الرحمة ذاتها، وكان الرحمة عينها وكلّها، أوَليس الله عز وجل قال: ﴿وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين﴾ أوليس النبي صلى الله عليه وآله سلم قال كما في الدارمي: (إنما أنا رحمة مهداة) وقال صلى الله عليه وآله وسلم كما في صحيح الإمام مسلم: (إني لم أبعث لعّاناً وإنما بعثت رحمة) وقال أيضاً صلى الله عليه وآله وسلم كما في صحيح الإمام مسلم: (أنا نبي التوبة وأنا نبي الرحمة).

ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استغرقت إنسانيته بشريته، واستغرقت رحمته إنسانيته، فكان الرحمة ذاتها وعينها، و كانت الرحمة محمداً صلى الله عليه وآله وسلم وقد تجلى هذا من خلال ما ذكرناه من أحاديث وما قاله ربنا عنه حينما قال: ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾ وتجلى أيضاً هذا عندما وقف ليقول للأمة بأسرها كما جاء ذلك في مسند الإمام أحمد: (أنا أولى بكل مؤمنٍ من نفسه، من ترك ديناً فإلي، وفي رواية "فعليَّ) ومن ترك مالاً فلورثته، فنبينا صلى الله عليه وآله وسلم تجلى وتمظهر رحمةً وهذه الرحمة من جملة إشعاعاتها هذا الذي قلناه عنه صلى الله عليه وآله وسلم.

هنالك تطبيقات رحموية لهذا النبي الكريم نذكر بعضها باختصار، واسمعوا معي ما يرويه الإمام البخاري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إني لأدخل في الصلاة ـوما أروع الصلاة إذ يؤديها رسول الله ـ أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز لما أعلم من وجد أمه عليه) ويروي الشيخان أيضاً: أن الأقرع بن حابس دخل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوجده يقبل الحسن والحسين، فقال هذا الرجل الصحابي: يا رسول الله إن لي عشرة من الولد ما قبّلت واحداً منهم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أو أملك إن كان الله قد نزع من قلبك الرحمة، من لا يرحم لا يرحم).

تطبيقاتٌ رحموية لا أريد أن أعددها لأن المجال لا يتسع لكنني سأذكر في النهاية إعلاناً قاله النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو بالأحرى قالته الرحمة المهداة المنزلة كما في البخاري حيث قال لكل الناس: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمُكم من في السماء) وهي الرواية الأصح من رواية (يرحمْكم) لأن الله يرحمكم أوليس هو الذي خلقكم وهل خلقكم وإيجادكم إلا رحمة ؟ ﴿هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً. إنا خلقنا الإنسان﴾ فرحمناه إذ خلقناه واصطفيناه وانتقيناه من ملايين ملايين المشاريع البشرية ليكون على ما هو عليه في الوجود البشري الراقي.

أيها الإخوة أطالبكم وأطالب نفسي بالرحمة، ارحموا أولادَكم وارحموا أوطانكم وارحموا مياهكم، وارحموا كهرباءكم، وليرحم الولد والده والوالد ولده، ولترحم الأم ابنتها والبنت أمها، وليرحم الأستاذ تلميذه والتلميذ أستاذه، وليرحم المسؤول الشعب وليرحم الشعب المسؤول، وعلى الجميع أن يرحم الجميع، فإننا نريد أن نتحول من مجتمع نقمة إلى مجتمع رحمة، لأن مجتمع النقمة لا يحب الواحد فيه إلا نفسه ولا يريد الخير إلا لنفسه، أما مجتمع الرحمة فهو الذي قال عنه الله عز وجل: ﴿ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة﴾ وهو المجتمع الذي يطبق حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم الصحيح: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).

ويسألني سائل: هل الجهاد في الإسلام رحمة ؟ وأين الرحمة وأنت تقاتل إنساناً ما ؟

أقول: الجهاد رحمة، لأننا –على سبيل المثال– بجهادنا نرحم قدسنا فنريد بجهادنا تخليصه من أيدي الغزاة الطامعين الآثمين، لأننا بالجهاد نرحم أرضنا التي احتلت زوراً وبهتاناً، لأننا بالجهاد نكفّ العدوّ وهذا رحمة به، فعندما ترى إنساناً يعتدي على إنسان وتأتي من أجل أن تكف الظالم عن ظلمه، أليس هذا الكفّ رحمة منك به ؟ الجهاد رحمة من حيث كونه رحمة بالشيء الذي نريد تحريره ونصرته، وهو رحمة من حيث رحمة حتى بالعدو الذي لا نقاتله لأنه إنسان اختار غير دين الإسلام، لا، بل لأنه اعتدى على الحق والفضيلة وحاول جاهداً وبكل قوته وأدواته أن يرفع الحق من مكانه وأن يزيح الحق عن نصابه، فنحن نقاتله لاعتدائه، وقتال المعتدي رحمة به ورحمة بأولئك الذين نرفع عنهم اعتداء هذا المعتدي.

يقول الله عز وجل في القرآن الكريم: ﴿ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عباديَ الصالحون﴾ تفكروا قليلاً في هذه الآية، سؤال طرحته على نفسي: مَنْ هؤلاء الصالحون الذين يرثون الأرض ؟ تابعت قراءة الآيات وإذ بربنا يقول: ﴿إن في هذا لبلاغاً لقوم عابدين. وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾ ففسرت القرآن بالقرآن وقلت: إن الصالحين هم الرحماء.

لعلكم تسألونني في النهاية ما الرحمة ؟ أقول بعد نظرٍ مليءٍ وطويل الرحمة في معناها ودلالتها وجدتها تعني: عطاءً نافعاً برفق. فإن كنت تعطي عطاءً نافعاً برفق فأنت رحيم، ومن هنا أقول وأكرر: أوليس النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الرحمة بعينها وذاتها ؟ لأنه كله عطاءٌ نافعٌ برفق وقد شهد له ربه بذلك فقال عنه: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾ رسول الله أعطانا الكثير فقد بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمة، ووقف في حجة الوداع يقول أمام مئة ألف من الصحابة رضي الله عنهم: (ألا هل بلّغت) والجميع يقول بصوت واحد (نعم) والنبي يشير بإصبعه إلى السماء وإلى الناس ويقول: (اللهم فاشهد).

إذا كان العطاء النافع بغير رفق فلا يعدّ ذلك رحمة ولا صاحبه رحيم، والله عز وجل قال: ﴿ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك﴾ فمن أجل أن تكون رحيماً عليك أن تعطي عطاءً نافعاً برفق، فإن خلا عطاؤك النافع عن الرفق كان غير مقبول عند الله وعند الرسول لأن الله قال: ﴿قولٌ معروفٌ ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى﴾ الصدقة عطاءٌ نافعٌ لكنها هنا من غير رفق، لذلك فهي مرفوضة في عرف ديننا وشرعنا وقرآننا، وأؤكد على قضية الرفق لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال كما في صحيح مسلم: (الرفق ما وضع في شيء إلا زانه وما رفع من شيءٍ إلا شانه).

أكرر دعوتي لنفسي وللآخرين ولأبناء هذا الوطن في دمشق وفي حلب في حمص وفي حماه في كل المحافظات الكريمة، ارحموا دينكم، وارحموا أوطانكم، وارحموا أرضكم، قدموا لأرضكم عطاءً نافعاً برفق، قدموا عطاءً نافعاً لأولادكم ولجيرانكم لثقافتكم لطلابكم.

واسمحوا لي في نهاية النهاية أن أخاطب سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقول من قال:

سيدي يا أبا البتول سؤال من فقير جوابه الإعطاء

هجروني ولست أنكر أني لم أزل مذنباً وكلي خطاء

غير أني التجأت قدماً إليهم وعزيز على الكرام التجاء

وطلبت النوال منهم وظني بل يقيني ألا يخيب الرجاء

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والسلام عليك يا سماحة الشيخ العلامة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور على هذا الجمع المبارك، والسلام عليكم ثانية وثالثة ورابعة.

التعليقات

أحمد فتال

تاريخ :2007/06/28

سيدي الفاضل، أخي الأكبر، شيخي الغالي،هذا التعليق بعد جولة ساعة ونصف تقريباً في موقعكم الأغرّ، ولا أجد أفضل من أن أقول إن عطاءك لرائع كريم. وخير ما أشكرك به هو ما ورد في الحديث الشريف (جزاك الله خيراً). الحمد لله الذي أكرم حلب بل سوريا بكم. وجزاكم ربي جل وعلا كل خير عن أهل حلب. ولكم مني كل الشكر والحب والتقدير والوفاء والاحترام

شاركنا بتعليق