آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
سمات العلاقة مع الله عز وجل

سمات العلاقة مع الله عز وجل

تاريخ الإضافة: 2008/10/10 | عدد المشاهدات: 4382

أما بعد، فيا أيها الإخوة المسلمون المؤمنون إن شاء الله:

سألني سائل، قال لي: الإنسان ذو علاقات، ولأنه ذو علاقات فهو مدني، ولذلك قيل: "الإنسان مدني بطبعه"، ومن هذه العلاقات ما يتجه إلى الله ومنها ما يتجه إلى الإنسان ومنها ما يتجه إلى الجماد ومنها ما يتجه إلى الحيوان ومنها، ومنها... إلخ، تابع سؤاله فقال لي: حدثني وكلمني عن علاقة هذا الإنسان بربه، وعن مكونات هذه العلاقة، لأن كلنا يريد أن يعرف طبيعة علاقته بربه وطبيعة علاقته بوطنه وطبيعة علاقته بالجماد وطبيعة علاقته بالحيوان وطبيعة علاقته بأسرته وطبيعة علاقته بكذا وكذا... إلخ، فما طبيعة علاقتي بربي من أجل أن أفحص نفسي على هذه السِّمات والمكونات والصفات التي تشكل هذه العلاقة بربي، فهل أنا بعد أن أستمع إليك عن هذه العلاقة فهل أنا قد حُزت وأحطت بمكونات هذه العلاقة وتحققت بما يجب أن أتحقق به في علاقتي هذه مع ربي ؟ فأجبته والجواب كان كتابةً، وقلت بيني وبين نفسي سأجعل هذا الجواب خطبة الجمعة القادمة، وها أنذا أقول لكم هذا الذي قلته له.

أخي الإنسان: هنالك لا شك علاقة بربك فما مكوناتها وما طبيعتها وما صفاتها وما سماتها ؟ أحصيت ما يجب أن تتكون منه العلاقة مع الله فكانت سبع صفات أو سبع سمات أو سبعة مكونات.

1- أما الصفة الأولى التي تشكل بعض هذه العلاقة فهي: أن تؤمن بربك وأن توحده وأن تذكره، الإنسان مع ربه مؤمن به موحد له ذاكرٌ له، قال ربي عز وجل: ﴿الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾، وقال ربي جلت قدرته: ﴿إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب. الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض﴾. وقال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما في الحديث الصحيح: (أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله)، وجاء في السنن (أن سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام قال لربه جلت قدرته: يا رب علمني شيئاً أذكرك به. قال يا موسى: قل: لا إله إلا الله. فقال موسى: يا رب كل عبادك يقولون لا إله إلا الله. فقال الله عز وجل: يا موسى لو أن لا إله إلا الله وضعت في كفة ووضعت السموات والأرض في كفة أخرى لرجحت لا إله إلا الله). فالصفة الأولى للعلاقة بينك وبين ربك هي: أن تؤمن بربك وأن توحده وأن تذكره، فهل أنت متحقق بذلك ؟

الصفة الثانية: أن نطيع أمر ربنا، أن يكون المسلم مطيعاً أمر ربه، ﴿آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كلٌ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا﴾.

الصفة الثالثة: أن ترضى بقدر الله عز وجل، ولذلك قال سيدي رسول الله والحديث معروفٌ مشهور كما في البخاري: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له). أريدك أن ترضى بقضاء الله وقدره، أن ترضى بما قدره الله عليك بعد إذ قدر الله عليك، رضينا قسمة الخلاق فينا، رضينا بأقدار الله فينا، رضينا بقضاء الله فينا، رضينا بما يفعله الله عز وجل فينا بعد أن يقع القدر، لذلك المسلم يسلم أمره لربه بعد إذ يقع القدر وبعد أن يكون القدر قد حفَّ به.

الصفة الرابعة: الإنسان مع ربه أوَّاب تواب، فهل أنت كذلك ؟ ﴿إن الذين اتقوا إذا مسهم طائفٌ من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون﴾، ﴿نعم العبد إنه أواب﴾ تؤوب إلى ربك في الليل وتؤوب إليه في النهار، تؤوب إليه عند الصباح وتؤوب إليه عند المساء، تؤوب إليه إن أصابتك نعمه بالشكر، وتؤوب إليه إن أصابتك نقمه بالحمد والدعاء، أنت تذكر الله وتؤوب إليه بالشكر إذ ينعم عليك وتؤوب إليه بالحمد والدعاء والاستغاثة والاستعانة إن أصابك أمرٌ لم يكن على المستوى المطلوب لم يرضك، فهل أنت أوابٌ تواب ؟ هل تقول بينك وبين نفسك سأؤوب إلى ربي وسأتوب أليه، كم مرة قلنا بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يؤوب ويتوب وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في البخاري: (إني لأتوب إلى الله في اليوم سبعين مرة) أوابٌ تواب في علاقته مع ربه، فيا أيها الإنسان تب إلى ربك وكن أواباً إلى ربك وعد إلى ربك في كل أمورك في الصغير منها والكبير لا تقف مكتوف الأيدي في ليلك ونهارك، ولا تكن محتاراً بل ارجع إلى ربك وسل ربك أن يعطيك الذي تطلب وليكن قلبك متعلقاً بربك لأن القلب هو موضع التوبة والأوبة، الجسم ليس محل التوبة والأوبة وإنما القلب هو موضع التوبة والأوبة فلتكن ذا قلب تواب وذا قلبٍ أواب.

الصفة الخامسة للعلاقة مع الله: أن يكون همك إرضاء ربك، في ذهنك دائماً هاجس إيجابي هذا الهاجس هو أن ترضي ربك فقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الترمذي: (من التمس رضاء الله بسخط الناس كفاه الله مؤونة الناس) أتريد أن تزال عنك مؤونة الناس ؟! إذن عليك أن تلتمس رضاء ربك (ومن التمس رضاء الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس) وها نحن يوكل بعضنا إلى بعض، وأصبح توكل بعضنا على بعض بديلاً عن توكلنا عن الله عز وجل ولذلك أصبحت المهابة طعامنا وشرابنا وأصبح القلق فراشنا ولحافنا وأصبح الاضطراب الجدر التي نستند إليها وأصبح الهم والغم مرتعنا وملعبنا، وانظروا بعضكم وانظروا أنفسكم كم تحكم شكلكم وشكلنا ووجودكم ووجودنا هذا الذي ذكرنا من كل صفات الضعف والاستكانة، انطلقوا وتحرروا من ذلك من خلال بناء علاقة مع الله ذات مقومات هذه المقومات هي التي نذكرها.

الصفة السادسة: الإنسان مع ربه يؤدي الفرائض والنوافل من صلاة وصيام وزكاة وحج وقراءة للقرآن الكريم وكثيراً ما ذكرنا وكررنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم القائل عن رب العزة كما في البخاري: (وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته...) إلى آخر الحديث، فهل أنت تؤدي الفرائض والنوافل من صدقة وصيام وحج وعمرة وقراءة للقرآن الكريم وتخلق بأخلاقٍ فاضلة ترضي ربك من خلالها وقد فرضها ربك عليك أم أنك في غفلة عن هذا، وآمل ألا تطول بك الغفلة حتى لا تصل إلى وقت تستيقظ فيه ولاتَ حين مناص، وليس ثمة فائدة من الاستيقاظ، أرجو أن تستيقظ حيث ينفعك الاستيقاظ المؤمن في علاقته بربه يؤدي الفرائض والنوافل.

الصفة السابعة: المؤمن في علاقته مع ربه يتمثل العبودية ويسعى للتحقق بها، أنا عبدٌ لربي وهذا أجمل لقب وأجمل صفة أريدها متحققاً بها، أنت تبحث عن صفة تتصف بها أمام الناس أنت تحب أن توصف بالغني وهذا شيء جميل وتعيش هاجس التحقق بهذه الصفة، أنت تريد أن تكون وزيراً وهذا ما تسعى من أجل أن تتحق به تعيشه هاجساً، أنت تريد أن تكون مديراً... طبيباً... أستاذاً..، ولكن من وراء ذلك كله يجب أن ينبعث أملٌ من لبِّ قلبك ومن قلب لبك ومن أبعاد أبعاد ذراتك هذا الخيط الكبير يقف وراء كل هذه المرادات ليقول لك أريد أن أكون عبداً لربي جلت قدرته وهل ثمة صفة أجمل من العبد حينما يتصف بها الإنسان مع ربه جلت قدرته ؟ كلنا يقول إن أعظم كلمة مُدح بها النبي صلى الله عليه وسلم من رب العزة جلت قدرته هي عندما قال: ﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً﴾ بمحمدٍ الذي تحقق بصفة العبدية وكان جديراً بها وكان أحق بها وأهلها، فهل أنت تعيش هاجس العبدية ؟ أنا لا أقول لك لا تفكر في أن تكون عالماً وباحثاً وطبيباً أو حتى أميراً أو رئيساً ولكن كل ذلك دون هذه الصفة التي خلقت من أجلها والتي خُلقت من أجل أن تتجلبب بجلبابها وهي صفة العبودية لله، لأن الله قال: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾ من وراء ومن أمام كونهم أطباء كونهم رؤوساء كونهم مديرين كونهم أساتيذ كونهم باحثين كونهم مثقفين هذه الصفة هي التي ينبغي أن تكون نتيجة وينبغي أن تكون صبغة كل الصفات الأخرى التي تسعى من أجل أن تتحقق بها صفة العبودية، فاللهم حققنا بصفة العبودية المرضية.

أرأيتم إلى مكونات وصفات العلاقة بالله عز وجل فافحص نفسك وافحص علاقتك بربك هل أنت مؤمن موحد ذاكر ؟ هل أنت راضٍ بقضاء الله عز وجل ؟ هل أنت مطيعٌ أمر ربك ؟ هل أنت أوابٌ تواب ؟ هل أنت تهتم وهمك أن ترضي ربك عز وجل ؟ وهل تؤدي الفرائض والنوافل ؟ وهل تسعى للتحقق بوسام الصفات بتاج الصفات بطغراء الصفات وهي العبودية لرب العزة جلت قدرته ؟ انظر هذه الصفات وقايس نفسك عليها فإن وجدت خيراً فاحمد الله واشكره وإن وجدت غير ذلك فتلافى وتدارك، وهيا إلى التحقق بمكونات هذه العلاقة. اللهم إنا نسألك حسن علاقة بك يا رب العالمين، نعم من يسأل أنت، ونعم النصير أنت، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ: 10/10/2008

التعليقات

شاركنا بتعليق