آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
دستور البناء: دعوات لبناء الشباب

دستور البناء: دعوات لبناء الشباب

تاريخ الإضافة: 2011/03/11 | عدد المشاهدات: 3826

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

يكثر الحديث اليوم عن الشباب، والخطاب اليوم أضحى للشباب بشكل خاص، وفي كل مكان يغدو الشباب محط نظر، وفي كل مساحة ولا سيما في عالمنا العربي والإسلامي يُتوجَّه إلى الشباب، وأنا في هذه اللحظة أيضاً سأنضم إلى أولئك الذين يتوجهون إلى الشباب قائلاً لهم، للشباب بشكل عام، ولشباب وطني بشكل خاص: أيها الشباب، لا شك في أنكم جسم المجتمع الهام، ولا شك في أنكم تكونون أساس المجتمع، ولا شك في أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم توجّه إلى الشباب، ودعم الشباب، وكان أصحابه شباباً، لكنني ومن منطلق الحب والحرص أقول لكم: أتريدون أن يكون مجتمعكم مجتمعاً صالحاً عظيماً طيباً مباركاً رفيعاً مجيداً حضارياً ؟

الجواب: نعم. إذاً هيا إلى بناء أنفسكم، إن كنتم تبغون مجتمعاً حضارياً عزيزاً رفيعاً فنحن نريد منكم أن تكونوا مبنيين بناءً صحيحاً، مبنيين وفق تعاليم السماء الحقة، وفق تعاليم سيد الشباب محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لذلك ها أنذا أعرض أمامكم دستوراً أسميته دستور البناء، بناء الشباب يتكون من صفحتين إن أردتم، أو يتكون من مجموعتين، المجموعة الأولى ما يسمى بمجموعة التخلّي، فلنتخلَّ عن ولنجتنب ولنهجر ولنترك، والمجموعة الثانية مجموعة التحلّي الفعل الملازمة الارتكاز، البناء يعني أن تتخلى وأن تتحلى، أن تجتنب وأن ترتكز، أن تهجر وأن تلازم، أن تبتعد وأن تقترب، فعمّا يجب أن تبتعد، وعما يجب أن تقترب، ومم يجب أن تقترب ؟

أيها الشباب الباحث عن بناء النفس بناءً قوياً متيناً اجتنب وتخلَّ عن:

أولاً: المعصية، اهجر المعصية فالمعصية ذل، والمعصية انحطاط، اهجر الذنب وكل ما يسمى ذنباً ومعصية في عرف دينك الحنيف اهجره، اهجر الغش والخيانة والكذب، اهجر الكسل، اهجر واترك العداوة والبغضاء، اهجر المعصية هذا أمرٌ أول يجب أن تتخلى عنه.

الأمر الثاني: السفاسف، هي ليست بأمور محرّمة لكنها تودي بك إلى المعاصي، لا أريدك أن تقضي وقتك بالسّفاسف والتفاهات، احذر السَّهرات الفارغة، إياك والتسكع، إياك وان تكون على مقربة من الحرام من خلال انشغالك فيما يضيع وقتك، أوما سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول كما في مسلم: (حُفّت الجنة بالمكاره، وحُفّت النار بالشهوات) فإياك وما حفت النار به. إياك والشهوات.

الأمر الثالث: الذي يجب أن تتخلى عنه أيها الشاب لتبني نفسك: الإهمال، لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد، إياك والإهمال، انظر مساءك، وانظر في مسائك، وانظر صباحك، وانظر في صباحك، ما كان يجب عليك أن تقوم به هل قمت به ؟ وما يجب عليك أن تفعله هل فعلته أم أنك أجلته وسوَّفته، الإهمال يضيعك، لا أريدك مهملاً، إياك والنوم قبل أن تقضي ما عليك، إياك والتراخي قبل أن تقضي هذا الذي أوجبته على نفسك، أوما سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في الحاكم وصححه يقول: (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك). إياك والإهمال.

الأمر الرابع: الجهل، تعلمنا ونحن صغار أن الجهل يهدم بيوت العز والكرم، تعلمنا ونحن صغار أن الإساءة الكبرى للأمة هي الجهل، أتريد أن تكون جاهلاً وبعد ذلك تريد أن تكون شاباً معتبراً ؟ لا اعتبار لجاهل، الجاهل لا يُعدُّ إذ يعتبر الرجال، فالجاهل ميت قبل أن يموت، والجاهل فانٍ قبل أن يفنى، والعالم باقٍ وإن مات، والعالم مستمرٌ وإن فني. دستور البناء اجتنب هذه الأمور التي ذكرتها لك، اجتنب المعصية، اجتنب السفاسف، اجتنب الإهمال، اجتنب الجهل، اترك كل هذه الأمور التي لا تجعل منك إنساناً تقوم عليه حضارة، بل تجعل منك إنساناً يشكل معولاً يهدم حضارة، وهل هُدمت حضارتنا إلا لأننا ارتكبنا المعاصي واتبعنا السفاسف وحلَّ علينا الإهمال وعشَّش فينا الجهل، هُدمت حضارتنا لأننا استخدمنا معاول الهدم، ومعاول الهدم لحضارتنا معاصٍ وذنوبٌ وآثام وسفاسف وإهمال وجهل.

انتقل إلى المجموعة الثانية التي تشكل ما يجب عليك أن تتحلى به، ما يجب عليك أن تفعله ما يجب عليك أن ترتكبه:

الأمر الأول: من أجل أن تبني نفسك عليك بالعلم والمعرفة النافعتين، نحن نقول للأمم كلها بأننا أمة اقرأ، فهل تقرأ أنت ؟! حدثني بربك هل تقرأ في اليوم صفحة، صفحتين، ثلاث صفحات ؟ هل تمارس القراءة المعلِّمة المعرِّفة أم أنك في ثبات عن هذا ؟  أم أنك في غيبوبة عن هذا ؟ هل يأتي عليك صباح اليوم التالي وأنت أكثر علماً مما كنت عليه في يومك السابق أو السالف ؟! هل يومك هذا من حيث اكتساب العلم والمعرفة أفضل من يومك السابق ؟ أوما قرأت قول الله عز وجل وأعتقد بأنك قرأت لكنني أريدك أن تقرأ بتمعن: ﴿قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون﴾، ﴿وقل ربِّ زدني علماً﴾ هل تدعو ربك في أن يزيدك علماً، وبالتالي هل تتفاعل مع هذه الآية لتجند نفسك وعقلك من أجل العلم والمعرفة من أجل الاكتساب أم انك في بعدٍ عن ذلك ؟

الأمر الثاني: أيها الشاب عليك أن تعاشر وأن تصاحب الأخيار، بصحبتك الأخيار تُعدُّ منهم، بعشرتك الكرام تعدُّ منهم: ﴿اتقوا الله وكونوا مع الصادقين﴾ انظر صاحبك هذا الذي تمشي معه، هل تمشي مع إنسانٍ ينهضك حاله ويدلك على الله مقاله ؟ أم تمشي مع إنسان يعوّدك الضياع ويرتاد بك ومعك أمكنة السَّفاسف، أمكنة اللهو المضيِّع، انتبه، عليك أن تصحب إنساناً تفيد منه، من أخلاقه، من عمله، من سلوكه. أوما سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول كما في البخاري: (مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحاً خبيثة).

كثرت صحبة الأشرار فينا فضاع شبابنا وتاهوا، انظر أيها الشاب لا أريد أن أخاطب وليَّ أمرك، ولا أريد أن أخاطب أباك، لكنني أتوجه إليك أنت مهما كان عمرك، أولست قد دخلت مرحلة الشباب ؟ إذاً عليك أن تختار الصاحب الذي يرفع من مقامك في مجالات العلم، في مجالات الخلق، في مجالات الرفعة والعزة والكرامة والعطاء النافع، فهيا إلى اتخاذ صادق يَصدُقك، هيا إلى اتخاذ صديق ينصحك، هيا إلى أخ يحبك وينصحك.

الأمر الثالث في مجموعة البناء: عليك أن تطيع ربك عن حب، وعليك أن تذكره، ولقد قلت لك في الأسبوع الفائت وقد سألني أحد الحضور الكرام قال لي ما عنيت بنور الذكر ؟ قلت له: وقد تحدثت عن صفات يجب أن نتحلَّى بها، وهي: سَعة الصَّدر، ونور الذكر، وقوة الفكر، وروح العصر، قال لي ما أردت بنور الذكر ؟ قلت له: أردت بنور الذكر أن تكون ذاكراً وأن تكون من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات، ليس باللسان فحسب، وإنما أن تذكر دائماً من أنت ؟ أن تتذكر هويتك، وهويتك أنت عبدٌ لربك خلقك وأرادك خليفة في الأرض وكلَّفك وأسجدَ لك الملائكة، فهل تتذكر هذا وتذكره أيها الشاب ؟ من الأمور التي يجب أن تتحلى بها أن تطيع ربك وأن تذكره عن حب: كما في الحديث الصحيح القدسي الذي يرويه البخاري عن رسول الله عن رب العزة جلت قدرته: (وما يزال عبدي يتقرّب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه)، نحن في نهاية كل خطبة نقول: ولتكن عقيدتك مستوحاة من قول الله عز وجل: ﴿أليس الله بكافٍ عبده﴾ ؟ إن لم يكفِكَ ربك فلن يكفيك أحد، إن لم يكفك ربك لن تكفيك أمم الأرض. لأن الله هو الكافي: ﴿أليس الله بكافٍ عبده﴾ ؟ بلى: ﴿وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير﴾.

البند الثالث من المجموعة الثانية في دستور البناء أن تطيع ربك وتذكره، أتريد أن تكون أقوى الناس في مواجهة الصِّعاب في مواجهة التحديات ؟ اسمع ما يقوله النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في الحاكم وسواه: (من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله)، ﴿ومن يتوكل على الله فهو حسبه﴾ توكل أيها الشاب على الله ولا تتوكل على سواه، لا تتوكل على حزبٍ، ولا تتوكل على جماعة، ولا تتوكل على قوة مادية، ولكن توكل على الله، وبعد ذلك كل هذه الأمور أسباب عليك أن تتخذها غير متوكل عليها وإنما التوكل على الله، قلبي على الله يتوكل والأيدي مني تتخذ السبب.

الأمر الرابع: هيا إلى العمل واترك الكسل، نحن أمة اليوم أصابنا فيروس الكسل ومُنعنا عن العمل، كلنا يتكلم، صغيرنا يتكلم، كبيرنا يتكلم، جاهلنا يتكلم، عالمنا يتكلم... يتكلم كلنا في كل شيء، هيا إلى العمل ودعِ الكسل، إن الله يحب العبد المحترف الذي يعمل، والذي يعمل صالحاً، والذي يعمل نافعاً، كلنا يتكلم، كلنا يرفع صوته، كلنا يريد أن يتحدث مما عنده غير متأكد مما عنده، يا ناس: هيا إلى العمل، الغرب ارتفعت رايته الحضارية على حدٍ ما لأنه عمل، ونحن نُكِّست راياتنا لأننا تكلمنا أكثر مما نعمل، بل لم نعد نعمل، وإنما غدا الكلام ديدننا، والكلام الذي نتفوَّه به كلامٌ لا يقوم على برهان ولا يقوم على حجة ولا على صدقية ولا على موضوعية: ﴿اعملوا آل داود شكراً وقليل من عبادي الشكور﴾ الشكور بالعمل الصالح، نحن نتحدث عن إسلامنا ونقول إن القرآن مُلئ بالآيات التي ذُكر فيها العمل مقروناً بالإيمان: ﴿إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾ أنت آمنت دليل إيمانك عملٌ صالح، فهل ثمة عمل صالح ؟ فالإيمان قُرن بالعمل الصالح: ﴿من عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمن﴾ العمل يرتكز على الإيمان، والإيمان يورث العمل الصالح، فإيمانٌ من غير عمل محض ادِّعاء شئت أم أبيت، إن الله يحب العبد المحترف الذي يعمل، فلنعمل.

دستور البناء في هذه البنود التي ذكرتها في مجموعتين، ما تتخلى عنه، وما تعمله، ما ترتكبه، ما تتحلى به، ما تهجره، وما تلازمه، وأريدك أن تكون واعياً لهذا الذي نقول، لأننا في النهاية نريد إنساناً سوياً، ونريد وطناً قوياً، ونريد عدالة مبسوطة على كل مناحي الوطن، ونريد حرية وكرامة، والسبيل إلى ذلك هذا الذي ذكرت وعلى كل إنسان باختصاصات أخرى أن يقدّم ما يؤدي بنا إلى هذا الذي نصبو إليه، نريد إنساناً سوياً ووطناً قوياً وعدلاً منبسطاً على كل مناحي الوطن وعلى كل جوانبه، ونريد رقياً ونريد خلقاً ونريد كل ما يُسعِد الإنسان في حياته وكل ما يجعل الإنسان فالحاً في أخراه، لأننا أمة نؤمن بالدنيا والآخرة.

اللهم وفقنا من أجل أن نكون، ولو كنا قد تجاوزنا سن الشباب، أن نكون من الشباب في سعيه الجادّ لبناء نفسه، نعم من يسأل أنت، ونعم النصير أنت، أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ 11/3/2011

التعليقات

bassam

تاريخ :2011/03/20

السلام عليكم: جزاكم الله خيرا ياسيدي اظن بشباب سوريا خيرا واظنهم حريصين على العمل ولكن منذ الذي يشجعهم ويسعى لحل مشاكلهم بل على العكس هناك من يثبطهم ويخوفهم ويصر على تدميرهم كل من اعرف من الشباب مخلصين لوطنهم ويريدون الفرص يريدون نظاما يرقى بطموحاتهم ينظم انتاجهم ويوجهه لماذا تفوق المغتربين من شبابنا في الغرب وامثالهم في الوطن احبطوا وفشلوا اظن ان احدا ما او جهة ما ارادت ذلك لماذا ياسيدي اشكركم وحفظكم الله

شاركنا بتعليق