أما بعد : أيها الاخوة
المؤمنون
منذ أيام مرت ذكرى النكبة ، النكبة الكبرى ، نكبة فلسطين . وقد مر على هذه
النكبة ثلاثة وخمسون عاماً ، وعلى ضوء هذا الذي مر أحببت أيها الاخوة أن ألقي
على مسامعكم كلمات سجلتها لاسيما وأننا نعيش هذه السنة إبان ذكرى النكبة نعيش
انتفاضة شعبنا ونسأل الله عز وجل أن تكون هذه الانتفاضة خاتمة النكبة ونهاية
النكبة ليعود النصر من جديد .
في فلسطين اليوم ضجة ، ضجةٌ تؤذن بانتصار ، وانتفاضة فيها إعصار ، وجهاد يمد
يده لكل شكور صبار ، في فلسطين اليوم : أم ثكلى ، وولد مغدور ، وطفلة مُشظَّاة
، وشاب شهيد ، وشيخ تمتد إليه يد المهانة من أقذر من اتسخت ضمائرهم من الجنود
.
في فلسطين اليوم : رسم النصر يدفع ،والطمع فيما في أيدي الناس يُنزع ، والتوجه
إلى الله الناصر يُزرع .
في فلسطين شهر ثامن يدخل ودماء تروي وأرض تستصرخ الضمائر المؤمنة لنجدة إسلامية
إنسانية . فهل من مجيب ؟!
في فلسطين اليوم شارون يهدد ويتوعد وينادي اليهود في العالم ليكونوا في أرض
الموعد ، لكننا بحماس وجهاد وفتح وسائر الشرفاء نرد الصاع بعون الله صاعات
ونصمد .
في فلسطين اليوم نازية عنصرية لا تعرف الضمير ومقولاته ولا تأبه للحق ومناداته
.
فيا أيها الإنسان أينما كنت : احتجَّ على السطو وأتبع احتجاجك دعماً وحرصاً على
ثبات إنسانيتك فيه . نهديكم يا إخوتنا في فلسطين في ذكرى النكبة وسام : (
اصبروا وصابروا ورابطوا ) ووسام : ( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم
لا يفتنون ) وفي أيام الانتفاضة نهديكم يا إخوتنا في فلسطين ونرفع على هاماتكم
وسام : ( إن ينصركم الله فلا غالب لكم ) ووسام : ( ولينصرن الله من ينصره )
ووسام : ( وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) ووسام : ( من المؤمنين رجال صدقوا ما
عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) .
لا تحسبوني في الهوى متصنعاً حبي لكم كلف بغير تكلف
كما أهديكم نماذج الأجداد إذ انتم تبرهنون على الحفادة الواعية . وأقدم بين
أيديكم صور السلف الصالح إذ انتم تستأهلون الخلفية بكل معناها أهديكم صور السلف
وعلى رأسهم النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام ؛ هذا النبي الذي جاهد في الله حق
الجهاد والذي أدى الرسالة والذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة هذا النبي
الذي دخل المعركة تلو المعركة .
أما إصبعه فقد سال منها الدم ، وأما رأسه فقد شُج ، وأما رباعيته فقد كُسرت .
أهديكم صور السلف وعلى رأسهم محمد عليه أفضل الصلاة وأفضل السلام هذا النبي
الذي جاهد - كما قلنا - ولكن النهاية كانت نصراً. انتصر محمد ، نصره الله لأن
الله وعد المجاهدين بالنصر ولن يخلف الله وعده ، ولن يخلف الله عهده ، وعدَ
المجاهدين في سبيله بالنصر .
( والذين جاهدوا فينا لنهد ينهم سبلنا ) والنصر سبيل الله .
فيا إخوتنا هذه أول صورة من صور السلف أهديكم إياها ، يا إخوتنا في فلسطين ، يا
إخوتنا في القدس .
وأما الصورة الثانية ، فصورة صحابي جليل يدعى أنس بن النضر - كما يروي البخاري
- : غاب أنس عن غزوة بدر ، وبعد هذا الغياب قال بينه وبين نفسه نادماً على ذلك
الغياب لئن أشهدني الله أخرى ليرين الله ما أصنع . وجاءت غزوة أحد ولما انكشف
المسلمون انطلق أنس بن النضر إلى قلب المعركة ، وقال : اللهم إني اعتذر إليك
مما فعل هؤلاء الرماة الذين تركوا أماكنهم وانقضَّ إلى المعركة وخرج منها
شهيداً في جسمه بضع وثمانون ضربة بسيف وطعنة برمح ، ما عرفه أحد إلا أخته من
خلال بَنَانه . أهديكم يا أبناء الانتفاضة هذه الصورة ، أهديكم يا أبناء
الانتفاضة يا أبناء فلسطين صورَ الجهاد لتكون أمامكم مُقتبسه ، ولتكون أمامكم
ملمعاً وملمحاً ولتكون أمامكم سجلاً لتكون أمامكم محفلاً تأخذون من هذه المحافل
والدواوين والسجلات والملامح والعطاءات لتأخذوا منها ما يعينكم ويساعدكم ويقوي
فيكم الثبات على الجهاد والانتفاضة . لقد قلت بالأمس في اجتماع عُقد في دمشق -
ونِعمَ هذا الاجتماع - بدعوةٍ من فعاليات مختلفة سياسية واقتصادية وعلمية .
عقدوا مؤتمراً في دمشق تحت عنوان : ( لدعم الانتفاضة ومواجهة المشروع الصهيوني
) وكان لي شرف الكلمة فيه فقلت : إن هذه الانتفاضة أفرزت ثلاث نتائج . النتيجة
الأولى : هي ما أسميته بضرورة تعميق وتعميم ثقافة القدس . اقرؤوا عن القدس يا
شباب فلا يمكن أن تجاهدوا عن مجهول ولا يمكن أن تقاتلوا عما لا تعرفون ، ولا
يمكن أن تنتصروا لما لا تعرفون عنه ، ولا تقرؤون عنه ، أفرزت الانتفاضة ثلاث
نتائج الأولى : ضرورة تعميق وتعميم ثقافة القدس . اقرؤوا تاريخها . اقرؤوا ما
جاء عن القدس في القرآن الكريم ، في السنة الشريفة ، في تاريخنا ، في إسلامنا .
اقرؤوا سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، واقرؤوا سيرة أبى عبيدة بن الجراح ،
واقرؤوا سيرة صلاح الدين الأيوبي ، واقرؤوا سيراً كثيرة ترتبط وتتعلق بالقدس .
النتيجة الثانية : الوحدة الوطنية .
أيها الاخوة محك الوطنية اليوم - نقول هذا لكل مسلم ولكل مسيحي ولكل إنسان
ينتمي إلى ما ينتمي إلى ما ينتمي - محك الوطنية الجهاد في القدس ودعم الجهاد في
القدس والدعوة إلى إسلامية القدس والدعوة إلى دحر الصهاينة المعتدين في القدس ،
محكُّ الوطنية وبرهان الوطنية إذا كنتم وطنيين - يا أبناء الوطن - فتنادوا إلى
دعم القدس ، إلى دعم فلسطين إلى دعم أبنائنا ، إلى دعم المجاهدين .
وأما النتيجة الثالثة : فسقوط خيار السلام ، وتفرد خيار المقاومة . لا ينفع مع
أولئك إلا المقاومة بعد أيام سنحتفل بذكرى اندحار الصهيونيين المجرمين عن جنوب
لبنان . واندحار أولئك كان بالقتال ، بالمقاومة ، بالاستشهاد . إن العمليات
التي يسميها بعضهم انتحارية هي عمليات جهادية هي عمليات استشهادية ، هي بأمر من
يدافع بإسلامه عن القدس . سقطت خيارات السلام ، وتفرد خيار المقاومة والجهاد في
الساحة . ومن أجل هذا أعلق - واسمحوا لي أن أعلق أيضاً - على خبر سمعته ولعل
بعضكم أو أكثركم سمعوه . لقد سمعت خبرا على لسان وزير خارجية قَطَر هذا الرجل
يقول : نريد أن ندعو شار ون إلى قَطَر لنتفاهم معه . أقول واخجلتاه من أن ندعو
شارون إلى بلد عربي إسلامي لتتفاهم معه . هل هذا ممن يُدعى ليُتفاهم معه ؟ هل
هذا يدعى من أجل أن تتناقش معه ؟؟ أهذا مبرر دعوتك لشارون يا وزير خارجية قَطَر
؟؟ ما تعودت على منبري أن أقسو على أحد بالاسم من أمتنا ولكنني أقول هذا وأنا
أتألم وكأن هذا الرجل أعني هذه الدولة لم ترَ ما يحدث . هذا الرجل اللعين شارون
كما قلت لكم في الأسبوع الماضي قال : سأجمع كل اليهود في فلسطين حتى عام 2020 م
، ونحن نقول رداً على هذا التصريح المشؤوم : تعال لتتناقش يا شارون ، تعال
لنتفاهم يا شارون . ألا لعنه الله على شارون ، ألا لعنه الله على الصهيونية
المجرمة . أولئك قوم خاسئون ، خاسرون أيها الاخوة .
الأمر الثالث الذي أفرزته الانتفاضة إذاً : هو تفرد خيار المقاومة . أما سمعتم
يا اخوتي كما قلت لكم في أسابيع مضت بما يفعل هؤلاء المجرمون الصهيونيون من
تبديل حقائق وتزوير تاريخ ، هؤلاء الذين يصرون ويعلنون بأنهم لا يريدون إلا
القتال ولا يريدون إلا الظلم ، ولا يريدون إلا الاحتلال . بالأمس صرح وزير
الدفاع لديهم - لعنة الله عليهم جميعاً - صرح بأنه يهدد بضرب أماكن ، بضرب نقاط
سورية في لبنان إذا أَصرَّت سورية أو إذا بقيت سوريا على حد زعمه تدعم حزب الله
. هذا تصريح وزير الدفاع الغاشم . ولكننا نقول لسورية حكومة وشعباً : لن تخيفنا
تهديدات ولن يخيفنا وعيد . أقول لأمتي ، أقول لشعبي ، أقول للحكومة ، أقول
للشعب والدولة - وأنا أثق بشعبي وبحكومتي في هذا المضمار - أقول للجميع : لن
تخيفنا هذه التهديدات ، ولن يخيفنا هذا الكلام ، وسنستمر على دعم كل من يدعم
إخواننا وجهاد إخواننا في فلسطين وفي جنوب لبنان وفي كل مكان ، وسنبقى - أتكلم
باسم سوريا التي أحب ، باسم هذا البلد الطيب المجاهد - ندعم إخواننا وجهادهم
وسنبقى ندعم كل صاحب حق ليصل إلى الحق ، سنبقى الرافدين للمجاهدين ، سنبقى
الرافدين لكل إخوتنا الذين يقاتلون في فلسطين ، في جنوب لبنان ، في الجولان ،
لن نستغني ولن نتنازل - وحاشا وهذا لسان الجميع - لن نتنازل عن الجولان ولو
شبراً .
أيها الاخوة : النتيجة الملحقة بهذا الأمر نبقى نصر على قولةٍ ردَّدناها كثيرً
: الصراع مع العدو الصهيوني صراع وجود ولا يمكن أن يكون صراع حدود . فالقضية
إما أن يكونوا أو لا يكونوا ، ليست القضية قضية حدود أو بضعة أمتار وإنما قضية
وجود . رأيتم بأم أعينكم أيها الاخوة وأريد أن يوصل منكم من كان علما أو عارفاً
بسبل الاتصالات العالمية بشبكة الإنترنت أو بسواها ، أن يوصل هذه الصور التي
تحدث هناك في فلسطين . أوَ مارا يتم منذ أيام شهيداً فلسطينياً تركت الصهيونية
المجرمة الكلاب لتنهش جثة هذا الشهيد أمام عينها وعيون الكثير . أقول هذا وأنا
أناشدكم الله أن تنطلقوا جادين في طرح هذه القضية على مسمع العالم كله . كما
أُلحق بالنتائج نتيجةً أخرى قلتها وأرددها : فلنقاطع أمريكا بضاعةً واقتصاداً ،
ولنقاطع كل من يدعم عدو الله . وعلينا جميعاً أن نكون في هذا الأمر متكاتفين ،
جادين واعين ، أن نكون على بينةٍ من أمرنا .
أيها الاخوة : لا أريد لمثل هذا الكلام أن يكون محض خطاب يُلقى على الأسماع ثم
يلفظه القلب لا يريد أن يستقرَّ فيه ليتحول إلى عمل ، وإنما أريد لهذا الكلام
أن يكون موضوع دراسةٍ وموضوع توجيهٍ وموضوع تلقيةٍ لأبنائنا ، لطلابنا ، لكل من
سنُسأل عنهم يوم القيامة لزوجاتنا لأحفادنا ، لكل من نعرف . أريد أيها الأخوة
أن يكون هذا منطلِقاً منا من إيمان وثقة ويقين ووعي وعلم ، لأن القضية المركزية
التي تحكمنا هي هذه القضية .
أيها الأخوة : إن تصريحاً خفياً ولعلكم لم تسمعوا به أو لعل بعضكم لم يسمع به ،
حينما دعا هذا اللعين شارون اليهودَ في العالم ، استعد اليهود في أقصى العالم -
فقراؤهم وأغنياؤهم - للمجيء إلى فلسطين . لكنه اتبع هذا التصريح بقوله : أنا لا
أدعوكم إلى فلسطين المحددة على الخارطة الآن وإنما أدعوكم إلى إسرائيل الكبرى
التي تضم لبنان وسورية والأردن . وضع في حسبانه أن يحتلنا أيها الاخوة . ولذلك
أقول القضية مركزية صاحبةُ الدرجة الأولى في الاهتمام ولا يقولن لي قائل لعلك
تتكلم كثيراً عن القضية الفلسطينية أو عن الصراع الإسلامي الصهيوني . أتكلم
لأنها قضية الأساس ، لأنها قضية المحور ، لأنها قضية أيها الأخوة ليست خاصة
بالفلسطينيين ، وإنما الأمر يمتد إليكم أنتم ، إن سكتم الآن جاء دوركم كما
يصرِّحون وشارون لم يأتِ بجديد في تصريحه هذا وإنما أظهر ما كان أسلافه اللعناء
يرددون ويقولون :حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل . هم غير راضين بفلسطين
اليوم وإنما يريدون الأردن وسوريا ولبنان والعراق وهم يرددون هذا ونحن في هذه
المناسبة نردد ونقول : هيا إلى ثقافة القدس ، هيا إلى وحدة وطنية ، هيا إلى
الدعم المادي ، لإخوتنا في فلسطين ، هيا إلى خيار الجهاد ، إلى خيار المقاومة
وليكن السلف الصالح وعلى رأسهم المصطفى عليه الصلاة والسلام أمام أعيننا .
جاهدوا وانتصروا فلنجاهد حتى ننتصر ولتبقَ هذه الأوسمة التي علقناها على صدورنا
من : ( اصبروا وصابروا ) إلى ( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ) .
يا ربنا أسألك بمحمد وبنيه الحسن والحسين أعلى من هدى أن تنصرنا على أعدائنا
نصراً مُؤَزَّراً ، وأن تجمع كلماتنا لتكون كلمة واحدة ،نِعمَ من يسأل أنت ونعم
النصير أنت . أقول هذا القول واستغفر الله
التعليقات