آخر تحديث: الجمعة 04 أكتوبر 2024      
تابعنا على :  

خطبة الجمعة

   
خطبة الجمعة مقومات ومعطيات

خطبة الجمعة مقومات ومعطيات

تاريخ الإضافة: 2001/10/26 | عدد المشاهدات: 5193

أمَّا بعد، أيُّها الإخوة المسلمون :
خطبة الجمعة حصاد أسبوع ، وتعليق على ما مر توجيهه لما يجب أن يقال أو أن يفعل ، يُغلِّف ذلك كله حثٌ على ضرورة الالتجاء إلى الله عز وجل والالتجاء إلى شرعه في التعليق وفي التوجيه وفي التفسير . 
خطبة الجمعة لقاء أسبوعي بين المسلمين يتذاكرون فيما بينهم ، ويتلون بعضاً من آيات الله ، ويذكرون شيئاً من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وبالتالي يستمطرون بهذه التلاوة والقراءة ، وبالأحاديث الشريفة أيضاً يستمطرون رحمة الله وعطائه .
خطبة الجمعة - أيها الأحبة - لقاء لتدعيم الإيمان في القلب وتدعيم المعرفة في العقل وتدعيم الذكر على اللسان وتدعيم الطاعة على الجوارح وفي الجوارح ، خطبة الجمعة في النهاية فرصة ومجال ولقاء يراد منه إرضاء الله جلت قدرته وازدياد الأيمان في القلوب ، وحرص على تأليف وتآلف الأمة ، وحرص على وحدة الصف . ولذلك نعلق في خطبتنا على ما مرَّ ، ونوجه لما يجب أن يُقال وأن يُفعل ، والأحداث التي تمر أثناء الأيام كثيرة وجسيمة يقف المرء أحياناً حائراً على أيِّ حادث يعلق ؟ وعلى أي حدث يريد أن يذكر عبره وعظاته ؟ لأن الأحداث كما قلت لكم جدُّ كبيرة وكثيرة . ويجب أن لا يغيب عن بالنا وعن بال المسلمين جميعاً أن لنا قضية مركزية وأن لنا قضية أساسية علينا أن لا ننساها في خطبنا ودروسنا وفي أحاديثنا ولقاءاتنا وفي اجتماعاتنا وفي لقاءات المسؤولين عنّا ، وفي لقاءاتنا الثقافية . هذه قضية مركزية هي قضية فلسطين ، ولعلّ قائلاً يقول : ما الذي جعلها قضية مركزية هل لأنها فلسطين ؟؟ وهل لكونها دولة عربية إسلامية كباقي الدول ؟؟ 
الجواب : لا . قضية فلسطين مركزية لأنها سُرَّة بلاد الشام ، فيها القدس ، وفيها الأقصى ، والله عز وجل قال :
( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله ) ، فهو السرة ، وما حوله مبارك لأجله ومن أجله ، وفلسطين ما دامت تحوي القبلة الأولى والمسجد الثالث الأهمَّ في وعي المسلمين فهي في نفس الوقت منطلق الإسلام الصَّاحي والدولة الإسلامية المرتقبة ، وكما انطلقت الدولة الإسلامية من مكة والمدينة في بدايتها فإنها ستعود لتنطلق في النهاية - بعد أن يعزَّ الله المسلمين - ستعود لتنطلق من القدس الشريف ، من هناك من الأقصى من ثالث الحرمين . وما رحلة الإسراء والمعراج من مكة إلى القدس وما معراج النبي عليه وآله الصلاة والسلام من القدس إلى السماء إلا دليل أو إشارة استثنائية تصب في مصب الدليل . وهنالك آيات وأحاديث تدل على هذا . 
لذلك - أيها الاخوة - أناشد أهل الثقافة وأهل المنابر وأهل الأحاديث وأهل الإعلام أن لا يُغفِلوا هذه القضية المركزية من تعليق على ما يمرُّ، ثم بعد ذلك بتوجيه مستمد من ديننا لما يجب أن يقال ولما يجب أن يفعل . 
أيها الاخوة : تعلمون إن إسرائيل اللعينة ارتكبت مجزرة منذ يومين بحق إخواننا في فلسطين ، فقد دخلت دباباتها وجنودها بأسلحتهم على أناس مؤمنين مسلمين عرب وقتلوهم ، وكان منهم نائمون ومنهم أطفال ومنهم نساء . هذه المجزرة تضاف إلى سجلات الخبث والحقد والضغينة والعداوة والإثم الذي فتحته إسرائيل . وإذا ما نظرت إلى سجل المجازر التي ارتكبتها إسرائيل بحق الشعب الآمن وبحق الشعب صاحب الأرض وأهلها لا بد من أن تصدر حكماً بعد ذلك على هذا الكيان بأنه إرهابي ونازي وعنصري وعنيف ومتعصب . وإننا نخاطب العالم كله من لم يصفهم بهذه الصفات وبتلك السِّمات فهو إنسان عَدَل عن حكم العقل إلى حكم الجهل ، وعّدّل عن حكم الحق إلى حكم الباطل ، وأعلن إفلاسه من إنسانيته بل إنه عبَّأ مكان إنسانيته شراسة وحيوانية قاتلة جاهلة . لابد أن نقول هذا لكل العالم : للمسلمين إن كان من المسلمين من يعتقد هذا ، ولغير المسلمين إن كانوا يعتقدون ذلك ، فإسرائيل سرطان وغدة سرطانية يجب أن تزال بأي وسيلة لأنه لا يمكن للإسلام أن يعود إلى منطلق النهوض من حيث المكان إلا بإزالة إسرائيل ، فإسرائيل عائق أمام الحق من أجل أن يظهر ، وإسرائيل عائق أمام العدل من أجل أن يظفر ، وإسرائيل عائق أمام الحقيقة من أجل أن تستعلي ، وإسرائيل عائق أمام كل فضيلة من أجل أن تحكم ، وإسرائيل عائق أمام كل خير من أجل أن يعم الناس . إسرائيل شر كلها من غير استثناء ، إسرائيل لابد من أن نسعى جميعاً لإزالتها بطرق مختلفة ، فالمثقف فينا بثقافته ، والمسؤول فينا بسياسته ، والجندي فينا بسلاحه بآليته ، والغني فينا بماله ، والكبير فينا بدعائه ، والصغير فينا بابتهاله . لابد من أن نقف جميعاً لنكون صفاً واحداً أمام هذا السرطان وهذا الامتداد الغاشم .
أيها الاخوة : حصلت المجزرة في بيت ريما كما سمعتم وما أريد أن أقوله تعليقاً سجلته حين سمعت النبأ : 
أيها المسلمون ، أيها العرب ، اتحدوا في مواجهة إسرائيل . ففرصة الوحدة في مقابلة العدو المشترك الأكيد جِدُّ متاحة ، فإن لم تتحدوا اليوم مع كل هذا التحدي فمتى تتحدون ؟! أسَنظل ننادي بالوحدة على أنها أمر يقارب المستحيل ؟! أسَنظل ننادي بالوحدة على أنها قضية خارجة عن مجالات وعينا و أُطُر إدراكنا وساحات خيالنا القابل للتطبيق ؟! أسَنظل ننادي بالوحدة على أنها قضية في عالم المستحيل لها سجل كبير ؟! أيها الفلسطينيون .... أما آن لكم أن تُجمِعوا أمركم ثم تأتوا صفاً ؟! أما آن لكم أن تجتمعوا كفصائل وأفراداً وحركات ؟! أما آن لكم أن تُلملموا جراحاتكم معاً لتجعلوها ناراً تحرق إسرائيل كافة شعباً وحكومة ، وزراء ورؤساء ؟! ولئن قُتل في لعنة الله وزير السياحة في إسرائيل فإنني - كما قلت سابقاً - أحضُّ المسلمين على قتل كل وزراء إسرائيل ، وعلى قتل كل جنود إسرائيل ، لأنهم معتدون وإذا لم يُقتل مثل هؤلاء بشرعة الله وموافقة إسلامنا فمن الذي يقتل ؟ من الذي يقتل ، ومن الذي يُستباح دمه إن لم نَستبح دماء هؤلاء القتلة المجرمين فدماء من؟! أيستبيح بعضنا دماء بعض ولا يستبيح دماء العدو المجرم ؟! أيستبيح بعضنا إن كنا عرباً أو مسلمين أيستبيح بعضنا دماء بعض ولا نستبيح دماء المجرمين الغادرين الغاشمين الآثمين ؟! أيستبيح السِّني دم الشيعي ؟ أم يستبيح الشيعي دم السِّني ؟ كما يجري في بعض عالمنا العربي اليوم ، أيستبيح الصُّوفي دم السَّلفي أم يستبح السلفي دم الصوفي كما يجري في بعض عالمنا ؟! أيستبيح المسلم عرض أخيه ولا يستبيح عرض هؤلاء المجرمين ليشكل ثقافة تهيئ لحركة جهادية تنصب على هؤلاء ناراً تخرجهم من أرضنا ومن مقدساتنا . 
أيها الاخوة : في لبنان كانت هناك بوادر فتنة ، أُحرق مسجد وأحرقت كنيسة من أجل إيقاد فتنة في لبنان ، لكننا نقول لهؤلاء وللمسلمين كافة وللعرب : ألم يأن الأوان لمقابلة عدو يتربص بنا الدوائر ويريدنا أذلاء ويريدنا حصاد مجازر . لقد ارتُكِبت مجازر على أيدي إسرائيل صارت تتجاوز أصابع اليدين ونحن الذين نفكر أحيانا بما لا يجوز أن نفكر به من تنافر فيما بيننا أو محاولة للسلام أو لمد يد السلام مع هؤلاء المجرمين الخونة .
أيها الغرب وفي رأس الحربة الولايات المتحدة الأمريكية : ألم يأن لكم أن تكونوا موضوعيين فيما يخص إسرائيل ؟! أين الاستنكار الصريح العلني العملي للمجازر المرتكبة بحق أهل الأرض الأبرياء ؟! أين المتابعة لتنفيذ القرارات الشرعية التي صدرتها منظمة الأمم المتحدة ؟! أين توصيف إسرائيل بالإرهاب وهي حسب كل تعريفات الإرهاب في مختلف التوجهات إرهابية وحشية نازية عنصرية ، وبعد التوصيف أين محاربتكم إياها على أنها إرهابية ؟! مادمتم قد قررتم في دول التحالف أن تحاربوا الإرهاب فأين بوادر الحرب في إسرائيل ؟ وإسرائيل منذ الحادي عشر من أيلول إلى الآن قتلت من أبنائنا في فلسطين مائة وأربعة وثلاثين شهيداً منهم أكثر من عشرين طفلاً ، ومنهم أكثر من خمسة نساء ، ومنهم نائمون ، ومنهم نزفت جراحهم ولم تترك إسرائيل سيارات الإسعاف لتمر لإسعاف هؤلاء فماتوا بجراح نازفة ليس لها من مسعف . 
أيها الأمريكان ، أيها الغرب : ابن لادن ومعه طالبان اشتبهتم بهم على أنهم فجَّروا برجين وهذا ما تقولونه أنتم ، فجَّروا برجين في نيويورك ومبنى وزارة الدفاع في واشنطن ، وإسرائيل تأكدتم من إحراقها المسجد الأقصى وتأكدتم من إجرامها بحق الآمنين وتأكدتم من قتلها الأبرياء وتأكدتم من إثمها وبغيها وعدوانها وهاهي تُنَصِّب جزار الأمس رئيساً للوزراء ليتابع المجازر عليها ، فلماذا لم تضربوا المجرم الأكيد كما تضربون المشتبه بهم ؟ لماذا وأنتم تحاربون الإرهاب وقد قررتم أن هذه الحرب التي تقودونها والتي تشرفون عليها والتي تمارسونها هي حرب ضد الإرهاب ؟ ونحن معكم ولكن أين قتالكم من ثبتت عليهم التهمة بأنهم إرهابيون أين قتالكم هؤلاء أين ضربكم هؤلاء ؟! إنها رسالة مفتوحة للعالم كله فهل من مستجيب . هلّا أرسلتم من أسطولكم الحربي طائرة أو طائرتين لتقصف المجرمين الأشد إجراماً في العالم ، عندها يمكن أن تتحسن النظرة بعض الشيء حيالَكم أيتها الحكومات الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية . 
أيها المسلمون المصلون : يا من تتصلون بالله في اليوم خمس مرات أين دعائكم لإخوانكم في إسرائيل ولمسجدكم في القدس وللأطفال في غزة والقطاع ورفح وطول كرم والقدس ؟ ها هو شعبان قد حلَّ فينا وقد ورد في الآثار أنه شهر رسول الله عليه وآله الصلاة والسلام ، هاهو شعبان حلَّ فينا ، وشعبان شهر تُرفع فيه الأعمال إلى الله عز وجل فماذا أنتم رافعون وأيُّ الأعمالِ التي ستُرفع إلى الله ؟ أترفع إلى الله أعمال الظلم وأعمال الاشتغال ببعضنا وأعمال العداوة والتنافر ؟ أترفع إلى الله أعمال الابتعاد عن الثقافة الفاعلة فيما يخص فلسطين ؟ أيَّ الأعمال سترفع ؟ ورد في سنن النسائي عن أسامة بن زيد قال قلت : يا رسول الله لم أرك تصوم في شهر من الشهور ما تصوم من شعبان ! قال : " ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان ترفع الأعمال فيه إلى رب العالمين ، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم " . فماذا نرفع من عمل ؟ ، وورد أن السيدة عائشة قالت : " لم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصوم في شهر أكثر من شعبان فإنه كان يصوم شعبان إلا قليلاً " ، والصيام - أيها الإخوة - له كبير علاقة مع الجهاد ، فشهر شعبان كان يصومه النبي صلى الله عليه وآله وسلم جُلَّه . فيا شعبان أيها الشهر المطهَّر : سيأتي رمضان وهو الشهر المكفِّر نناشد أمةً تقدرك وتعظمك أن تقف على حدود الله وان لا تتجاوزها . فاللهَ الله يا مسلمون إن الله حدَّ حدوداً فلا تعتدوها ، وحرم أشياء فلا تنتهكوها ، وفرض فرائض فلا تضيِّعوها ، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها . اللهَ اللهَ يا مسلمون في شعبان ، في أعمالكم ، في فلسطين ، في القدس ، في كل المسلمين ، في أفغانستان ، في الشيشان ، في الأبرياء ، في كل مكان .
أيها الاخوة : وباختصار نحن لا نبغي اعتداءً على أحد ، ونحن نستنكر الاعتداء إذا كان مبادراً ، نستنكر الاعتداء ولكننا وفي نفس الوقت الذي نعلن فيه أننا طلاب سلام وأمان ، لكننا نقول : لا نريد أن نستذل إسلامنا من أجل أن نكون أعزاء ، ولم نسلم من أجل أن ينصبَّ علينا الذل صباً ، أسلمنا لله من أجل أن نكون أعزة لله ، وعزتنا بالله تفرز الحق والعدل ، ولم نؤمن بالله من أجل أن نكون مستضعفين أذلاء يستذلنا ويسومنا كل مفلس . أسلمنا لله عز وجل من أجل تحرير الإنسان من كل طقوس الظلم وأشكاله وألوانه ، ولم نسلم لله من أجل أن نكون مظلومين ونسكت ، أسلمنا لله عز وجل من أجل أن نلتقي مع كل العقلاء المنصفين في العالم ، من أجل أن نبني العالم لا من أجل خرابه ، هكذا علَّمنا قرآننا ، هكذا علمنا نبينا وآل بيته عليهم الصلاة والسلام ، علمونا أن نكون إخوة متحابين متضامنين نبغي الإنسان ونبغي الأرض ونعيش السلام ، ولكن لا سلام على حساب الحق ، فسلام على حساب الحق يعني جوراً ، أن نعيش الأمان ولكن ليس على حساب العدل ، فالأمان على حساب العدل يعني ذلاً وبالتالي : هيهات منا الذلة هكذا قال سيدنا الإمام الحسين عليه السلام : هيهات منا الذلة يأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون . 
اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه . اللهم إنا نسألك رفعاً لأعمالنا في شعبان لتكون أعمالاً مرضية لك يا رب العالمين . نعم من يُسأل أنت ، ونعم النصير أنت . 
أقول هذا القول واستغفر الله . 

التعليقات

شاركنا بتعليق