أما بعد، أيها الاخوة
المؤمنون :
منذ أيام سألني مراسل لإحدى المجلات الإسلامية العربية عن القران الكريم، وقال
لي حدثني عن مُجمل القران الكريم ، وكيف يمكن أن نقدمه بشكل ملخص للآخرين ؟
بعبارة ثانية ما القرآن الكريم ؟ ما أقسامه ؟ كيف يمكن أن نوجز القول فيه ؟
أجبته - أيها الاخوة - فقلت وأحببت أن أنقل الإجابة إليكم لاسيما أن شبابنا
وطلابنا قد انتهوا من دراستهم الإعدادية والثانوية والجامعية ، وانتهوا كذلك من
امتحاناتهم في كل المراحل الدراسية وإذا كان الأمر كذلك فالحديث عن القرآن حديث
عن أمر يجب الاهتمام به .
في هذه الأيام التي لم تعد الدراسة هماً للطالب ، وإنما الأيام عطلة كما نسميها
وكما ندعوها ، أجبت هذا السائل فقلت وأحببت أن يكون الوصف عباراتٍ ذات سجع فقلت
له : إن القران الكريم منهج ملائم ، وتاريخ داعم ، وخلق قائم ، وجهاد دائم .
وفصَّلت في هذه المصطلحات فقلت : أما إنه منهج ملائم فلأنه يحوي العقيدة
والعبادة والمعاملة ويحوي الخلق ، يحوي العقيدة وهنا أحب أن أتوجه إلى طلابنا ،
إلى أبنائنا من أجل أن يقرؤوا القرآن الكريم ليلملموا منه الآيات المتعلقة
بالعقيدة ، ما ملامح هذه العقيدة ؟ أطالب طلابنا ، أطالب شبابنا ، أطالب
فتياتنا ، أطالب طالباتنا أن يقرؤوا جميعاً القرآن الكريم ليجمعوا منه العقيدة
وما يجب أن يعتقدوه وما يجب أن يؤمنوا به ، القرآن منهج ملائم يحوي العقيدة ؛
يحوي الآيات التي تتحدث عن عقيدة يجب اعتقادها على سبيل المثال : ( قل هو الله
أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ) ... إلى آخر السورة ، وعلى سبيل المثال ( آمن
الرسول بما أُنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ) .
أما العبادة فهناك آيات تتحدث عن الصلاة والصيام والزكاة والحج وعلى طلابنا
أيضا أن يقرؤوا القرآن قراءة كما سميتها قراءة محورية ، يقرؤوا القرآن بنية جمع
الآيات المتعلقة بالعبادات فاقرأ القرآن مرةً للعقيدة ومرةً للعبادة ، واستخلص
الآيات المتعلقة بالعبادة . إذاً : القرآن منهج ملائم يحوي العقيدة ويحوي
العبادة ويحوي المعاملة ، والمعاملة أنواع : الاقتصادية منها وغيرها . وأؤكد
أيها الاخوة على شبابنا من أجل أن يكثروا من قراءة القرآن الكريم ولكي تكون
قراءة القرآن الكريم هادفة ومطلوبة من نفسك فلتكن كل ختمه ، وكل قراءة لمحور
ولموضوع . فمرة أيها الطالب اقرأ القرآن لتستخرج منه كما قلت الآيات المتعلقة
بالعقيدة ، ومرة استخرج منه الآيات المتعلقة بالعبادة ، ومرة اقرأ القرآن
لتستخرج الآيات المتعلقة بالمعاملات الاقتصادية من بيع وشراء ورهن ودين ...الخ
، ومرة اقرأ القرآن لتستخرج منه الآيات المتعلقة بالمعاملات السياسية ما يتعلق
بالعدل والشورى والحكم وما سوى ذلك ، واقرأ القرآن الكريم مرة من أجل أن تستخرج
الآيات المتعلقة بالمعاملات الاجتماعية من أخُوّة ، وبناء علاقات من أسرة ، وما
يتعلق بكيفية الصلة مع أفراد المجتمع .
والقرآن كما قلت منهج ملائم يحوي العقيدة والعبادة والمعاملة الاجتماعية
والسياسية والاقتصادية ويحوي الخلق ، واقرأ القرآن مرة من أجل استخراج الآيات
المتعلقة بالأخلاق من صدق و أمانة وعلاقة طيبة ، من أجل استخراج الآيات التي
تتحدث عن الأخلاق الحميدة وعن الأخلاق الذميمة . فيا شبابنا أيها المالكون
للوقت أيها المالكون للزمن : إن القرآن مطلوب منا أن نتدبره ليس على سبيل
النافلة وإنما على سبيل الوجوب فتدبروه و إقرؤوه قراءة محورية لأن القرآن منهج
ملائم يلائمك يلائم الإنسان . أوَ ليس القرآن دستور الله لنا أو ليس القرآن
خطاب الله العالِم بنا ولنا ، أو ليس القرآن كلام الله الأحكم الأعلم بنا ؟
إذاً هيا إلى مائدة القرآن الكريم . القرآن الكريم منهج ملائم للإنسان لا شك في
ذلك .
ثم بعد ذلك القرآن الكريم تاريخ داعم . أريد أن أُذكِّر بشيء - لعلي قلته في
مرات سابقة - حينما تبحث عن أمر وقع في التاريخ السابق أظن وهذا ظن قائم وله
رصيد في الواقع حينما تبحث عن أمر تاريخي أظن أنك تجانب القرآن الكريم بمعنى قد
تظن أن القرآن الكريم لا يمكن أن يكون كتاب تاريخ وبالتالي حينما تتحدث عن
مسيحية أو يهودية أو ما يتعلق بالأمم الرومانية أو ما يتعلق بالأمم السبئية أو
ما يتعلق بتاريخ سليمان . لا تنظر إلى القرآن على أنه تاريخ . وهذا أمر خطأ
وفيه كثير من الخطل فالقرآن الكريم منهج ملائم وتاريخ داعم ( نحن نقص عليك أحسن
القصص ) أي التاريخ الذي يدعم المنهج ونحن إنما نقرأ التاريخ من أجل ماذا .
نقرأ التاريخ من أجل أن نثبت صحة الأفكار التي نؤمن بها لأن التاريخ مخبر للفكر
والأفكار لأن التاريخ مرجع من أجل دراسة صلاحية ما نؤمن به مبادئ الله عز وجل
قال ( فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين) وهو ربنا جل جلاله أصدق القائلين ، هو
الذي حدثنا عن اليهودية فاقرأ اليهودية من القرآن الكريم . أولا يجب أن يكون
القرآن مرجعاً تاريخياً لما حواه القرآن الكريم من تاريخ . وقد قلت مرة في
محاضرة عن النصرانية قالوا لي : ما المراجع التاريخية التي عدت إليها وأنا
أتحدث عن النصرانية ؟ قلت إن أول مرجع لي فيما يتعلق بتاريخ النصرانية القرآن
الكريم ، ثم بعد ذلك جعلت القرآن معياراً لكل كتب التاريخ فما كان من كتب
التاريخ يوافق القرآن بمجملها اعتبرته وما لم يكن يوافق القرآن الكريم بمجمله
أهملته . القرآن كتاب موثوق . القرآن يحوي التاريخ الداعم وعليكم يا أبنائنا يا
طلابنا يا أساتيذنا أيها المؤرخون أيها المعتنون بالتاريخ ان ترجعوا وأن تطلبوا
من طلابكم أن يرجعوا إلى القرآن الكريم من أجل معرفة التاريخ الذي حكاه القرآن
ومن أجل اعتبار القرآن فيما حكاه المرجع الأوثق ( فلنقصن عليهم بعلم وما كنا
غائبين ) .
القرآن الكريم بعد ذلك جهاد دائم . والجهاد الدائم أيها الاخوة أعني به ما يلي
: الجهاد الدائم كنت قد قلت في مرة سابقة إن الجهاد ليس قتالاً وإنما من بعض
معاني الجهاد القتال . والجهاد ثلاثة أمور : الجهاد دعوة إلى الإسلام ، والجهاد
مجادلة أهل الكتاب ، والجهاد قتال . والقرآن الكريم نظَّم العلاقة مع أهل السلم
من غير المسلمين من أجل دعوتهم إلى الإسلام ونظم العلاقة مع أهل الكتاب الذين
ينضوون تحت راية المجتمع الإسلامي و هؤلاء نجادلهم بالتي هي أحسن , ( ولا
تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ) و ( ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة
والموعظة الحسنة ) والجهاد قتال اؤلئك الذين اعتدوا على المسلمين ( وقاتلوا في
سبيل الله الذين يقاتلونكم ) . الجهاد دعوة ومجادلة وقتال ( أذن للذين يقاتلون
بأنهم ظلموا ) .
الأمر الرابع القرآن الكريم خَلق قائم . ليس القرآن خلقاً إنما في القرآن
الكريم حديث عن خَلق قائم من أجل تأكيد ملائم ، القرآن الكريم يتحدث عن خلق
الكون لماذا ؟ من أجل تأكيد أن الذي أنزل القرآن هو الذي يجب أن يُعتمد تشريعه
لأن القرآن حكى الخلق القائم . خلق الله للكون ، خلق الله للإنسان , ( فلينظر
الإنسان ممَّ خُلق ) خلق الله للجبال ، خلق الله للبحار ، خلق الله للسماوات ،
خلق الله للأرض ، خلق الله لكل شيء . إن القرآن في مواضيعه تحدث عن الخلق
القائم لتدعيم المنهج الملائم . أيها الإخوة تحدث القرآن الكريم عن النبات (
فلينظر الإنسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صباً ثم شققنا الأرض شقاً فأنبتنا
فيها حباً وعنباً وقضباً ) تحدث عن السموات ، عن الحيوان ، عن الطير ، من أجل
ماذا ؟ وأنا أطالب أيضاً المسلمين الأساتذه والطلاب المختصين من أجل قراءة
القرآن الكريم قراءة محورية . فمن كان ذا اختصاص في البحار فليقرأ ما جاء في
القرآن الكريم وليستخرج الآيات المتعلقة بالبحار ، ومن كان ذا اختصاص في الأرض
وعلم الأرض فليقرأ وليستخرج الآيات المتعلقة بالأرض ، ومن كان ذا اختصاص
بالنبات فليقرأ الآيات التي تتعلق بالنبات وهكذا .
يا سائلي .. القرآن الكريم منهج ملائم وتاريخ داعم وجهاد دائم وخلق قائم أي
حديث عن خلق قائم نراه بأعيننا ( قل سيروا في الأرض فانظروا ) ، ( إن في خلق
السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ) انظروا ( سنريهم
آياتنا في الآفاق في أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق ) وخلق قائم حديث عن خلق
قائم ، فيا شبابنا في هذه الأيام أيام الفراغ من الدراسة إلى القرآن الكريم إلى
قراءته قراءة محورية . فاقرؤوا القرآن مرات وفي كل مرة تبحث عن شيء . وستقرأ
القرآن الكريم أكثر من ثلاثين مرة لأنك في كل مرة تبحث عن آيات تتعلق بموضوع من
المواضيع الهامة والهامة جداً اقرؤوا القرآن على أنه كما قلت منهج ملائم وتاريخ
داعم وجهاد دائم وحديث عن خلق قائم اقرؤوا القرآن . والقرآن الكريم كما قال
الرسول عليه وعلى آله الصلاة والسلام حسب ما يروي ابن حبان " القرآن شافع مشفع
" . من وضعه أمامه ساقه إلى الجنة ومن وضعه خلف ظهره ساقه إلى النار فأين تريد
أن تضع القرآن ؟ إذاً : سيقودك القرآن حيث تضع القرآن . إن وضعتَ القرآن أمامك
أخذ بك إلى الجنة وإن رميت به خلف ظهرك ساقك إلى النار . ويروي ابن حبان أن
النبي عليه وعلى آله الصلاة والسلام : "اقرؤوا القرآن الكريم فإنه نور لك في
الأرض وذخر لك في السماء " ( ذخر رصيد عند الله عز وجل ) . نحن نريد من شبابنا
أن يكونوا على صلة دائمة بالقرآن الكريم . نحن نريد من مثقفينا ، من إعلامنا ،
من مسؤلينا ، من كل رجل يقول عن نفسه أنه مسلم أن يكون متصلاً بالقرآن الكريم
اتصالاً وثيقاً . نريد من إعلامنا صلة واتصالاً أكثر مما هم عليه ، بالقرآن
الكريم . نريد من جامعاتنا ، نريد من مدارسنا ، نريد من شبابنا، نريد من
معلمينا ، نريد من منتدياتنا ، من مراكز الثقافة عندنا أن يكونوا أكثر وأقوى
صلة بالقرآن الكريم مما هم عليه .
أيها الإخوة : قال صلى الله عليه وآله وسلم كما يروي الحاكم في مستدركه -
واسمعوا هذا الحديث أيها الشباب ، أيها الأطفال - : " من قرأ عشرَ آيات من
القرآن الكريم في ليلة - أي في كل ليلة - لم يكتب عند الله من الغافلين "
والمفهوم المخالف : إذا لم تقرأ عشرَ آيات في كل يوم فأنت من الغافلين . وهل
يرضى الواحد منا أن يُكتب عند الله من الغافلين ؟! عد إلى أيامك كم من يوم مر
عليك لم تقرأ فيه عشر آيات ؟!إذاً هذه الأيام كُتبتَ عند الله من الغافلين .
وإذا كنت قد قرأت عشر آيات فأكثر فإنك لست من الغافلين . وحرصاً على شبابنا من
أن يُكتبوا عند الله من الغافلين أقول لهم على الأقل : يا شبابنا أفيضوا على
عشرة آيات ولتكن القراءة قراءة تدبر وقراءة تمعن وقراءة محورية . حافظوا على
القرآن الكريم فإنه عز لنا ، وإن ارتفاعاً ورقياً لنا بالقرآن الكريم - وأنا
أغتنم هذه الفرصة لأقول - إن شبابنا في فلسطين سيتابعون طريق القرآن واستلهام
هذا الطريق من القرآن الكريم في جهادهم . لأن فحوى القرآن فيما يخص العلاقة مع
العدو الصهيوني الجهاد أي القتال لأنهم معتدون ، لأنهم آثمون . وسنبقى نكرر
ونقول : القضية مع هؤلاء الخبثاء المعتدين قضية وجود وليست قضية حدود . فلا
اعتراف ولا يمكن أن نقول بأننا قابلون بالاعتراف إلا في حالة واحدة إذا خرجوا
من فلسطين كلها إلى بلادهم التي أتوا منها ، فسنعترف بهم على أنهم بشر يعيشون
في أماكنهم أما وانهم محتلون لفلسطين ولو لشبر واحد من فلسطين ، فلا يمكن أن
يكون الاعتراف بهم قائماً على الإطلاق . هذا ما يقوله فحوى القرآن الكريم أيها
الإخوة . كما بدأت أعيد - يا سائلي - أرأيت إلى القرآن الكريم : منهج ملائم ،
تاريخ داعم ، حديث عن خلق قائم ، وجهاد دائم اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع
قلوبنا ، وجلاء أحزاننا ، وذهاب همومنا وغمومنا يا رب العالمين .
نِعم من يسأل أنت ونعم النصير أنت أقول هذا القول وأستغفر الله .
التعليقات