آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
ملامح المرأة في القرآن الكريم

ملامح المرأة في القرآن الكريم

تاريخ الإضافة: 2006/03/10 | عدد المشاهدات: 4256
أما بعد، فيا أيها الإخوة المسلمون: منذ يومين عاش العالم يومَ المرأة العالمي، أحببتُ أن أغتنم هذه الفرصة لأعيد الحديث عن المرأة في ديننا، في إسلامنا، في قرآننا، وأريد في هذا اليوم بالذات أن أقدم لكم ملامح المرأة في القرآن الكريم، آملاً من شبابنا ومن شاباتنا عندما يسألون عما جاء في الإسلام عن المرأة، أن تكون هذه الملامح ماثلةً في أذهانهم، قائمة في أخلادهم، فالمشكلة - يا أيها الشباب، يا أيها المثقفون، يا أيتها المثقفات - أننا لم نجمع إسلامنا وأحكام إسلامنا - أعني نحن الذين نعيش في هذا العصر بشكل عام، ولا أعني المختصين الباحثين فحسب - المشكلة أننا إذا سئلنا عن الإسلام تعريفاً، باختصار احتار هذا الشاب المثقف والطالب والتلميذ، ولو قيل لأديبٍ مسلم تحدث لنا عن المرأة في الإسلام، لتحدث طويلاً ومَلياً لكنه لن يأتي - إلا من رحم الله - بالقواعد الضابطة والملامح الراسمة للمرأة في القرآن الكريم، لذلك ومن فترة غير وجيزة قررت بيني وبين نفسي أن أذكر ملامح المرأة المسلمة وفق ما جاء في كتاب الله عز وجل من أجل أن تكون هذه الملامح منطلقاتٍ في ذهنكم وفي ذهننا، وبالتالي نفصل عليها ونتوسع فيها عندما يستلزم الأمر شرحاً وتوسعاً واستفاضة. ملامح خمسة يرسمها الإسلام للمرأة: الملمح الأول: المرأة في الإسلام وفي القرآن، المرأة والرجل من أصل واحد لا خلاف في هذا، والله عز وجل قال: ﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً﴾ النساء: 1 وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في سنن أبي داود: "إنما النساء شقائق الرجال" المرأة والرجل من أصل واحد ولا خلاف. ضعوا هذا يا شبابنا في أذهانكم وأنتم تتحدثون عن المرأة في الإسلام وعن تصور المرأة في الإسلام وعما جاء به الإسلام فيما يخص المرأة، وأوأكد أنني أذكر هنا في هذه الخطبة متناً وأترك الشرح لكم، وأريد أن يستقرّ المتن في أذهاننا، فإذا ما سئلنا بشكل مُجمَل أجبنا بهذا المتن وإذا ما اقتضى الأمر توسعاً وشرحاً وتفصيلاً شرحنا وفصلنا وتحدثنا. الملمح الثاني: المرأة في الإسلام في القرآن شخصية مستقلة لا اندماج ولا اندراج، أي لا اندماجَ في الرجل ولا اندراج الله عز وجل قال: ﴿إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات ...﴾ الأحزاب: تحدث ربي عن المؤمنين والمؤمنات ولم يجمل الأنثى والذكر بجمع المذكر على سبيل التغليب فلم يقل إن المسلمين والمؤمنين والقانتين والصادقين.. وهذا جائز في اللغة إذا ما ذكر ذلك وعناه، أي أراد مع الرجال النساء، لكنه لم يذكر المرأة والرجل بجمع المذكر السالم وإن كان جائز لغة وتعبيراً، لم يذكر هذا، بل ذكر المؤمنين والمؤمنات، المذكر والمؤنث، أي جمع المذكر السالم وجمع المؤنث السالم ﴿إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات...﴾ فالمرأة شخصية مستقلة لا اندماج ولا اندراج فربي عز وجل قال أيضاً: ﴿من عمل صالحاً﴾ ثم بين التفصيل حتى لا يفهم أن (مَنْ) تطال الذكر أكثر من الأنثى ﴿من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمنمن عمل صالحاً﴾ النحل: 16 أيضاً كان بالإمكان اللغوي أن يقول ربنا عز وجل من عمل صالحاً وهو مؤمن وأن لا يذكر من ذكر أو أنثى وأن يترك الأمر لفهم الناس، لكن القرآن الكريم ذكر ذلك احترازاً من أن يفهم الناس أن المخاطب الأول هو الرجل الذكر وأن المرأة شخصية مندرجة فيه وبالتالي تُخاطَبُ من خلال الرجل، لا، لا، الخطاب للرجل والمرأة، للذكر والأنثى على مسافة واحدة ﴿من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة﴾ النحل: 16. الملمح الثالث: المرأة في الإسلام وفي القرآن تشارك في الحياة الاجتماعية، وأنتم تلاحظون أني أذكر الآيات أكثر من ذكري الحديث الشريف وذلك لأنني عزمت أن أذكر ملامح المرأة من خلال المصدر الرئيس لنا وهو القرآن الكريم، المرأة في الإسلام وفي القرآن تشارك وتساهم في الحياة الاجتماعية، الله عز وجل: ﴿والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر﴾ التوبة: 71 المرأة ولية الرجل، والرجل ولي المرأة، والولاية متبادلة بين المرأة والرجل ﴿بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر﴾ التوبة: 71 والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نشاط اجتماعي ومن خلال الأمر بالمعروف ودعوة المرأة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نستنبط بشكل واضح أن المرأة تساهم في النشاط الاجتماعي في الأمر بالمعروف بالدعوة إلى الله في النقد والنصيحة، وفي كل ما يمكن أن يكون مترتباً على الرجل من الناحية الاجتماعية فهو مترتب على المرأة "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" على حدٍ سواء بين الرجل والمرأة "الرجل راعٍ ومسؤول عن رعيته" هكذا قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في البخاري "والمرأة راعية في بيت زوجها". لا تظنن أيها الزوج أنك راعٍ للمرأة وللبيت وأن المرأة شيء من البيت، لا ، المرأة راعية في بيت الزوجية، لها حق الرعاية، لها حق النشاط الاجتماعي، وهو الرعاية الاجتماعية كما للرجل فالرجل راع في بيته ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، هكذا قال سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الشارح الأعظم لكتاب ربنا الأكرم. الملمح الرابع: المرأة تشارك في النشاط السياسي أيضاً واسألوا القرآن الكريم كيف تحدث عن ملكة سبأ وحديثه عنها حديث عن امرأة مارست أمراً طبيعياً هو حق لها، سلوا القرآن عندما قال: ﴿يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك﴾ الممتحنة: 12 والمبايعة مفردة سياسية بعدها قال ربي عز وجل ﴿فبايعهن﴾ فالمرأة تشارك في النشاط السياسي فالله عز وجل قال: ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات﴾ الممتحنة: 10 والهجرة نشاط سياسي، والإسلام تحدث عن المرأة المبايعة وعن المرأة المهاجرة وكلا الأمرين نشاط سياسي ولا ينفصلان عنه. الملمح الخامس: المرأة ذات أهلية كاملة ولا خلاف نحن ندرس طلابنا في كلية الحقوق والشريعة نتحدث عن الأهلية ونتحدث عن عوارض الأهلية ونقول: الأهلية هي الصلاحية الشرعية المعتبرة لممارسة الإلزام والالتزام فالإنسان ذكراً كان أو أنثى ذو أهلية، والأهلية هي الصلاحية الشرعية والقانونية للإلزام والالتزام، ونتحدث أيضاً عن عوارض للأهلية ونقول إن هذه الأهلية هي الأداء وهي أعلى أنواع الأهلية، لأن الأهلية أهليتان: أهلية أداء وأهلية وجوب، ونقول هناك عوارض للأهلية على سبيل المثال: السَّفه، الجنون، الصغر... وهناك عوارض للأهلية مكتسبة التي تنقص من الأهلية منها: السكر أي أن يكون الإنسان سكرانا، لكن تكلمت كل هذا من أجل أن أقول كلمة مهمة لكل من أراد البحث والجد والتعرف على ديننا من منطلق علمي وفقهي جاد، تكلمت كل هذا من أجل أن أقول لكم: ليس هناك في عوارض الأهلية الأنوثة، فالأنوثة لا تفقد المرأة صلاحيتها الشرعية من أجل الإلزام والالتزام، لم يذكر فقهاؤنا ولم يذكر علماء الأصول ولم يذكر علماء القانون وعلماء الأحوال الشخصية أن الأنوثة عارض من عوارض الأهلية وبالتالي هذا يجعلنا نقول المرأة ذات أهلية كاملة لا شك في هذا. أيها الإخوة: اقرؤوا القرآن الكريم بعين واعية جادة ﴿للرجال نصيب مما اكتسبوا﴾ النساء: 4 لم يقتصر الأمر خشية أن يفهم الناس أن الرجال هم أصحاب الأهلية قال: ﴿وللنساء نصيب مما اكتسبن﴾ النساء: 4 المرأة تكتسب وتكسب، تلتزم وتلزم، والرجل يلتزم ويلزم، وهكذا لا فرق في الأهلية بين الرجل والمرأة، ولذلك نقول بملء فينا: المرأة ذات أهلية كاملة، يروي الإمام أحمد والقصة معروفة مشهورة والحديث حسن صحيح "أن فتاةً بكراً أتت النبي عليه وآله الصلاة والسلام تشكو أباها، قالت: يا رسول الله إن أبي هذا زوجني من ابن أخيه - زوجني رغماً عني - وأنا له كارهة ليرفع بي خسيسته - أي لأمرٍ ما يريد أن يحققه، لأمر شخصي، ولم يَرْعَ في هذا الزواج مصلحتي ولم يأخذ رأيي، ولم أكن فيه أنا صاحبة الأهلية وأنا المعنية في هذه القضية - فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "اختاري" خيرها بين أن تفسخ العقد فالعقد غير مكتمل وموقوف وفي حكم الباطل، إذا لم يُجِزه صاحب الشأن قال لها اختاري فوقفت هنيهة - ثم قالت: اخترتُ ما اختار أبي. فقيل لها: لم فعلتِ ذلك؟ فقالت: حتى يعلم الناس أنه ليس للآباء في هذا الأمر شيء" أي المرأة ذات أهلية كاملة تلتزم وتلزم، والقضية مُفصلة، وأنا لم آتِ بهذا الذي أتيت من نفسي ومن صندوق صدري كما يقال، بل هذا الكلام مفصل في كتبنا، فيما ألفه محمد بن الحسن تلميذ أبي حنيفة، وفيما كتبه الإمام الشافعي، وفيما سجله صاحب المدونه عن الإمام مالك، وفيما رواه الإمام أحمد في مسنده، وفيما رواه مالك أيضاً في موطئه رضي الله عنهم. اقرؤوا هذا وعودوا إلى ذلك، لكن المشكلة أن كل واحد منا اليوم يتحدث عن المرأة في الإسلام هكذا كما يَدَّعي لكنه في الحقيقة لا يتحدث عن المرأة في الإسلام وإنما يتحدث عن المرأة في عاداته وتقاليده إن كان يَسارياً يتحدث عن المرأة في يَساريته وينسب ذلك إلى الإسلام، وإن كان متشدداً متزمتاً يتحدث عن المرأة في تشدده وتزمته وينسب ذلك للإسلام، والإسلام هو ذلك الدين المسكين يتحمل تبعات أولئك الجاهلين. المشكلة أننا نُحمِّل الإسلام عاداتنا ونقول عن عاداتنا أنها هي الإسلام، وأننا لانقرأ القرآن الكريم من أجل أن نستخلص ما يتعلق بالمرأة، وما يتعلق بالعمل، وما يتعلق بالسياسة، وما يتعلق بالاقتصاد، وما يتعلق بكل شيء، لكننا اعتدنا على أن نجعل من عاداتنا مصدراً لإسلامنا لنقول عن عاداتنا بأنها هي الإسلام، و حاشا، الإسلام ليس عاداتنا، والإسلام ليس تلك الأمور التي ارتكبها آباؤنا وأجدادنا بحكم العادة وبحكم العرف، وإنما الإسلام هو هذا الذي جاء في كتاب الله جلت قدرته وعلى لسان سيد الخلق وحبيب الحق محمد صلى الله عليه وآله وسلم. المشكلة في هذا. لذلك أناشد نفسي وإياكم ألا نتكلم عن الإسلام إلا من خلال مصادره الموثوقة وإلا فالقضية جد خطيرة وستجعل من إسلامنا فيما بعد إسلاماً غير مقبول لأننا نتحدث عن عاداتنا بأنها الإسلام وعاداتنا قد تكون غير مقبولة لدى آخرين ويحق لهم ألا يقبلوها فهي عاداتٌ تتناسب مع الزمن الذي يعيش فيه الإنسان الذي اعتاد عليها مع المكان الذي يعيش فيه الإنسان الذي اعتاد عليه وهكذا دواليك. أعود فألخص ما ذكرت: المرأة في الإسلام ذات ملامح استوحيناها من كتاب الله عز وجل: فالمرأة والرجل من أصل واحد ولا خلاف أولاً، ثانياً: المرأة شخصية مستقلة لا اندماج ولا اندراج، ثالثاً:المرأة تساهم في النشاط الاجتماعي مساهمة المكلف بعينه وليس مساهمة المكلف بالتبعية، رابعاً: المرأة تساهم في النشاط السياسي أيضاً مساهمة المكلف بعينه لا مساهمة المكلف بالتبعية، خامساً: المرأة ذات أهلية كاملة فالأنوثة ليست عارضاً من عوارض الأهلية. هذه ملامح المرأة في قرآننا، أتوجه إلى أمتنا وأتوجه إلى مثقفينا وأتوجه إلى الاتحاد النسائي وإلى الهيئة السورية لشؤون الأسرة في سورية وإلى كل المعنيين بالحديث والنشاط المتعلق بشؤون المرأة وإلى كل الوزارات المتعلقة بشؤون المرأة لأقول لها: إنني لكم ناصح أمين من أجل أن ترسموا للمرأة صورة حقيقية مشرقة أكيدة، من أجل أن تقدموا المرأة كما يجب أن تُقدَّم على أنها مخلوق أسمى كالرجل، ارجعوا إلى القرآن الكريم. أنصح الوزارات والمعنيين والاتحادات النسائية في بلدي وفي كل البلاد الإسلامية على الأقل، اجعلوا القرآن مصدراً أولياً وأساسياً في هذه القضية فإنكم ستجدون في القرآن الكريم ما تطمحون أن تجدوه في أنفسكم وفي غيركم وفي كل الثقافات التي تنتسب للتقدم وللحضارة وليس هذا الكلام بالمبالغة وحاشا - يا رب - أن يجد الإنسان خارج كتابك الكريم ما يمكن أن يلبي مطالبه وتطلعاته أكثر من أن يلبيه القرآن الكريم هذا الكتاب العظيم. اللهم اجعلنا ممن يرجع إلى القرآن الكريم في كل أحوالهم فيما يخص المرأة والرجل والقضاء والسياسة والاقتصاد ليأخذوا التوجيهات المناسبة للإنسان، نعم من يسأل ربنا، ونعم من النصير إلهنا أقول هذا القول وأستغفر الله.

التعليقات

شاركنا بتعليق