الله أكبر ما وقف المسلمون
الحجاج في عرفات يوم أمس ، الله أكبر ما ذهب الحجاج من عرفات إلى المزدلفة ،
الله أكبر ما رمى الحجاج الشيطان سائلين ربهم أن يرضى عنهم ، الله أكبر عندما
يأتي اليوم الذي يتَّحد فيه المسلمون والعرب ، الله أكبر عندما تجتمع كلمتهم
وتلتئم صفوفهم ، الله أكبر عندما تتحد وتتآلف القلوب .
أيها الإخوة المسلمون : : العيد فرحة ، والفرحة فرحةُ قَبول ، فإن قبلتَ من
الله فها هو الركن الأول من قمة السعادة قد تحقق ، وكلنا يعلم أن إخواننا
الحجاج وقفوا يوم أمس في عرفات ، ونعتقد جازمين - بفضل الله - أن الله عز وجل
غفر لهم أي قَبِلَهم ، وقَبِل معهم من دعوا له ، فقد ورد عنه صلى الله عليه
وآله وسلم عن رب العزة جلت قدرته ، أنه يتجلى في عرفات فيقول : " أفيضوا عبادي
مغفوراً لكم ولمن شفعتم له " . ولا بد من أن نكرر في كل عيد ونحن نتحدث عن ركن
أساسٍ يُكوِّن قمة السرور في العيد أن نكرر قولة الإمام علي رضي الله عنه
وأرضاه ، يوم قال لمن دخل عليه يوم العيد ( أي على الإمام ) ورآه يأكل خبز شعير
، فقال له : يا إمام ! خبز شعير في يوم عيد ! فأجاب سيدنا علي رضى الله عنه
بقوله : " اليوم لنا عيد وغداً لنا عيد ، وفي كل يوم لا نعصي الله فيه فهو لنا
عيد ، اليوم عيد من قُبل بالأمس صيامه وحَسن بالليل قيامه " هذا هو الأمر الأول
الذي يكون البُعدَ الأول للقمة .
الأمر الثاني : تعميق وصال مع الإنسان : فقد خلقنا ربنا لنتعارف ،
والعيد مناسبة لتعميق الصلة مع الإنسان ، مع المواطن ، مع الجار ، مع الصديق ،
مع البعيد ، ومع من شاحنت من أجل أن تتصالحا ، فقد ورد عنه صلى الله عليه وآله
وسلم كما ورد في الصحيح : " إذا التقى المسلمان فتصافحا - وفي العيد تكثر
المصافحة - تحاتَّت ذنوبهما كما يتحاتُّ الورق " أي ذهبت عنهما الذنوب التي
ارتكباها ، فصافح المسلم ، وصافح أخاك بقلبك وبيدك ، فنحن بحاجة إلى مصافحة
القلوب قبل أن تتصافح الأيدي ، ونحن نريد قلوباً متآلفة ومتحدة ومجتمعة .
الأمر الثالث : تدعيم ارتباط مع الأوطان : من لم يكن في خدمة وطنه
متفانياً فلا قيمة له ، والوطن أمانة في أعناقنا ، الوطن عِرض ، والإعراض عن
الوطن خيانة ، والإعراض عن الوطن كفر . فيا شبابنا : إن لم نُدعّم الارتباط
بالوطن فلا قيمة لنا لأنه : " من قتل دون أرضه فهو شهيد " ، إن لم ندعم
ارتباطنا ببلادنا ، وتدعيم الارتباط يكون بخدمةٍ للوطن وتضحيةٍ في سبيله ومن
أجله ، تدعيم الارتباط يكون بصناعةٍ وزراعةٍ متقنة ، يكون بدراسة جادةٍ لطلابنا
في مدارسهم ، تدعيم الارتباط يكون بقوةٍ على الحدود لجنودنا ، تدعيم الارتباط
بنزاهة في قضائنا ، تدعيم الارتباط بأن يكون المدرس متحملاً مسؤولية التدريس ،
وأن يكون الطبيب ممن يخافون الله ، وكذلك البائع ، تدعيم الارتباط بإتقان
الأعمال لأن الله يحب من العبد إذا عمل عملاً أن يتقنه .
وأذكر بهذه المناسبة - وأنا أتحدث عن الارتباط بالوطن - أُذكّركم بمسئوليتكم عن
فلسطين ، ففلسطين أرضنا ووطننا ، وفلسطين ساحة يتجلى فيها الجهاد الوفي للأرض ،
وفلسطين ستظل أمانةً في أعناقنا إلى أن نلقى ربنا ، وسيسألنا ربنا عن فلسطين ،
لأنها المكان المبارك .
أيها الإخوة المؤمنون : نحتفل بعيد الأضحى ، وهنالك في أرضنا المحتلة شهداء
يسقطون يوماً بعد يوم ، فمنذ أيام وكما سمعتم عبر أجهزة الإعلام وفي غضون أربع
وعشرين ساعة سقط أكثر من ثلاثين شهيداً ، القدس أمانة .
يا قدسنا : نحن نحتفل بعيد الأضحى ، لكن احتفالنا حزين ، يا قدسنا نحن نحتفل
بأعيادنا لكن الحزن مرسوم على جباهنا ، وهذا الحزن لا ينفك إلا إذا تحررتَ - يا
قدس - من براثن الأعداء ، من براثن الطُّغمة الفاسقة الفاجرة الآثمة . نحن
ننادي كل الضمائر ، وننادي كل الإنسان في كل مكان من أجل أن يكون مع الحق ،
ونحن إذ نتحدث عن ذلك فإنما ننطلق من كوننا أصحاب حق ، وأصحاب رؤية إنسانية .
حينما تتحدث أمريكا عن حقوق الإنسان فإنها تتحدث عن حقوقها ولا تتحدث عن حقوق
الإنسان بشكل عام ، فأمريكا تريد أن تُعَولِم الشعور ، ليكون شعور الإنسان
موافقاً لشعورها . إن أمريكا وبكل بجاحة تقول عن إيران والعراق وكوريا الشمالية
بأنها محور الشر ، وأنا أخاطب أمريكا فأقول : إذا كان الأمر كذلك فمحور الشر
أنت أيتها الولايات المتحدة مع إسرائيل ، ومع الذين يدعمون إسرائيل ، فإسرائيل
شرٌ كلها ، وإسرائيل بغي واعتداء وإثم ، ومن دعم الاعتداء والإثم فهو بلا شك
شرير .
وأخيراً : نتوجه إلى العلي القدير بقلوب مجتمعة ، فهيا أيها السوري مع العراقي
ومع المصري من أجل أن ندعو ربنا ونترجم الدعاء إلى سلوك ، فلا يكفي أن يقف
الواحد منا في جامع ويقول : اللهم انصرني ، وقد عَلِمَ أن النصر له عدة وطريق ،
وطريق النصر وحدة ننادي بها ، وأرجو أن لا تغدو كلمة الوحدة خيالاً أو وهماً أو
أسطورة لا نستطيع تحقيقها ، وإنما تبقى كلمات نرددها تصبح في يوم من الأيام -
لا سمح الله - في سجلات اليأس . ادعوا ربكم يا من تعيشون العيد أن يوفقنا
جميعاً ، وأن يحفظ علينا بلادنا وأرضنا ، وأن يحفظ علينا ديننا ، وأن يحفظ
علينا عروبتنا الصافية ، لأن العروبة خلق إنساني عظيم ، وقد ساهمت العروبة في
تكوين الحضارة الإنسانية بشكل عام .
اللهم يا رب الأضحى والفطر ، يا رب الحجاج والعمار ، وفقنا لما تحب وترضى ، نعم
من يُسأل أنت ونعم النصير أنت ، أقول هذا القول وأستغفر الله .
التعليقات