آخر تحديث: الجمعة 19 إبريل 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
حال الأمة

حال الأمة

تاريخ الإضافة: 2003/02/14 | عدد المشاهدات: 3539

أما بعد ، أيها الإخوة المسلمون :
كل عام وأنتم بخير ، كل عام وأمتنا العربية بخير ، كل عام وأمتنا الإسلامية في كل مكان بخير ، واسمحوا لي أن أتابع التهنئة لأقول : كل عام وألسنتنا بخير وكلامنا بخير وحديثنا بخير وإعلامنا بخير .
لعل سؤالاً يتبادر إلى أذهانكم : ما معنى أن أقول : كل عام وألسنتنا بخير وكلامنا بخير . لعلكم تلاحظون وألاحظ أو لقد لاحظتم ولاحظتُ أن السياسيين في بلادنا كثروا ، وأن المشتغلين بالسياسة صاروا أكثر من عدد السكان ، وأن الذين يحللون القضايا السياسية حدِّث عن عددهم ولا حرج ، ففي كل مكان وعبر قنوات التلفاز يطلع علينا واحد ليحلل ، وآخر ليردَّ عليه ، وثالث يشتم ، ورابع يجابهه بسفاهة ، وخامس يصفُّ بجانب فلان من القادة والزعماء ، وسادس يدافع عن ذاك الرئيس أو هذا القائد ، وسابع يعلن نبوءته فيما يتعلق بالمستقبل القادم وهو لا يملك مقومات التنبؤ ، لا أقول التنبؤ الغيبي ولكن حتى التنبؤ السياسي . كثر الكلام واللفظ عبر قنوات التلفاز وفي مجالسنا وإبَّان لقاءاتنا ، وكما قلت : أضحت القضية عبارة عن فوضى لا تَمُتُّ إلى الحقيقة بصلة . شاهدتم وشاهدنا على بعض قنوات التلفاز برامج . هذا ينادي بمعاكسة فلان ، وذاك يطلب من فلان رأيه وهو لا رأي له ، وثالث ينادي بضرورة أن يكون الرأي الآخر محترماً ، ورابع وخامس وسادس وسابع يتكلم والمستمعون والمشاهدون يقولون كلامه صحيح ويعطونه بصمة الموافقة وكأنهم حَكَمٌ لا يرد لهم حُكم ، هذا ما يقوله صحيح وذاك الذي يقوله الآخر غير صحيح ، وهكذا أنظر إلى أولادنا ، إلى شبابنا ، إلى طلابنا ، أرحمهم وأقول لهم : تُرى ماذا سيستقبلون وماذا سيقع في أخلادهم ، وبأي شيء سيحاكمون ، وكيف يتلقون ؟ أنظر إلى أجيالنا فأرحمهم لأني أراهم يوماً مع ذاك المحلل الذي لا يعرف التحليل ، ويوماً مع المحلل الآخر الذي تدفعه أموره الشخصية لتحليلٍ يبثه علينا وينثره علينا ، وفي اليوم الثالث يعدلون ويقولون : لا ، بل المحلل الأول هو الذي يقول الكلام الصحيح .
أيها الإخوة : أما آن لنا أن نتمسك بمقولات سيد من تكلم ، سيد البشر عليه وآله الصلاة والسلام حينما قال : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت " أما آن لنا أن نتقيد وأن نطبق حديث النبي عليه وآله الصلاة والسلام القائل : " على مثل الشمس فاشهد ، وإلا فدع " أما آن لنا أن نتقيد بكلام سيد المنطق محمد عليه وآله الصلاة والسلام يوم أن قال : " كفى بالمرء إثماً أن يُحدِّث بكل ما سمع " ، أما آن لنا أن نتقيد بحديث سيد الساسة الواعين وسيد الاجتماعيين العالمين وسيد الاقتصاديين الفاهمين حينما قال يخاطب الأمة : " حدثوا الناس بما يعرفون ، أتحبون أن يكذب الله ورسوله ؟! " أما آن لنا أن نفكر ملياً قبل أن نتكلم ، أما آن لنا أن نوثق ما نسمع وما نتكلم وما نقول ، ألم يأنِ لنا أن تكون كلماتنا كلمات بخير ، وخير كلماتنا ما كانت موثقة النسبة لكلام الله عز وجل ولكلام النبي عليه وآله الصلاة والسلام .
وجدت من سنة أو أكثر حديثاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحببت بعد هذه المقدمة أن أجعله موضوع خطبتي وأن أكتفي بذكره وبروايته . أخرج ابن حبان في صحيحه واللفظ له ، وأخرج الحاكم في مستدركه وصححه عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله : ما كانت صحف إبراهيم ؟ قال : كانت أمثالاً كلها ، منها : أيها الملك المتسلّط المبتلى المغرور – وليسمع كل المسؤولين من آباء وأساتيذ ورؤساء وملوك – أيها المتسلط المبتلى المغرور : إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض ، ولكني بعثتك لترد عني دعوة المظلوم ، فإني لا أردها وإن كانت من كافر " لا يرد ربنا دعوة المظلوم ولو كانت من كافر ، قفوا بجانب المظلوم بعد أن تتأكدوا من مظلوميته ، قفوا بجانبه وادعوا الله أن ينصر المظلوم على الظالم ، فإن لم تعرفوا من هو فاذكروا الصفة ، وقولوا : اللهم لا تدع مظلوماً إلا نصرته ، ولا ظالماً إلا قصمته . أحيلوا التشخيص على الله ، أحيلوا التجسيد إلى الله هو الذي يعلم المظلوم والظالم ، إن كنتم غير واثقين من تسمية المظلوم وتسمية الظالم : " فإني لا أردها ولو كانت من كافر " وعلى العاقل ما لم يكن مغلوباً على عقله أن يكون له ساعات ، فساعة يناجي فيها ربه . هل لك ساعة تناجي فيها ربك ؟ وساعة يحاسب فيها نفسه . هل لك ساعة تحاسب فيها نفسك ما قلت ؟ ما تكلمت ؟ ما حللت ؟ ما أذعت ؟ ما شرحت ؟ وساعة يتفكر فيها في صنع الله عز وجل ، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب ، وعلى العاقل أن لا يكون ظاعناً أي مسافراً إلا لثلاث : تزود لمعانٍ ، تريد أن تستفيد علماً ، معنىً ، شيئاً يعود على دينك بالعمق ، على وعيك بالتأكيد ، على عقلك بالازدياد ، على علمك بالنمو والازدهار ، أو مَرَمَّةٍ لمعاش ، تسافر لتحصيل عيشك وتظعن وتمشي لتحصيل معاشك أو لذة في غير محرم ، تحصل لذة حلال ، لذة لا إثم فيها ، تسافر لتُسَرَّ ، والسرور في الإسلام مطلوب ، ولكن لا سرور فيما حرم ربي ، ولا لذة فيما منع ربي ، وعلى العاقل أن يكون بصيراً بزمانه ، مقبلاً على شأنه , حافظاً للسانه وهذا الذي أريد أن أؤكد عليه , حافظاً للسانه ، ومن حَسَبَ كلامه من عمله قَلَّ كلامه فيما لا يعنيه : " من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه " وإن كنت لا تعلم شيئاً عن هذا الذي تتحدث فيه فذاك لا يعنيك ، أي لا يعنيك الحديث فيه ، وإن كان يعنيك لأنك جزء من المجتمع ، لذلك عليك أن تستمع ممن يعلم لا أن تستمع ممن لا يعلم ، وأن تتكلم فيما تعلم ، قلت – والقائل أبو ذر – يا رسول الله : فما كانت صحف موسى عليه السلام ؟ قال : كانت عِبَراً كلها ، منها عجبت لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح ، عجبت لمن أيقن بالنار ثم هو يضحك ، عجبت لمن آمن بالقدر ثم هو ينصب ( يتعب ) ويجعل قلبه في حالة قلقة ، عجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها ثم اطمأن إليها ، عجبت لمن أيقن بالحساب غداً ثم لا يعمل ، قلت : يا رسول الله أوصني . قال : أوصيك بتقوى الله ، فإنها رأس الأمر كله " .
أيها الملوك ، أيها الزعماء ، أيها الرؤساء ، أيها المرشحون ، أيها القضاة ، أيها الأطباء ، أيها الشيوخ ، أيها العلماء ، أيها المواطنون : عليكم بتقوى الله فإنها رأس الأمر كله ، رأس الأمر تقوى الله . قلت يا رسول الله زدني . قال : " عليك بتلاوة القرآن وذكر الله عز وجل فإنه نور لك في الأرض وذخر لك في السماء " عليك بتلاوة القرآن . هل نعلم أولادنا القرآن وتلاوته ، أم أننا عدلنا عن القرآن حتى الذين يتكلمون باسم الإسلام عدلوا عن القرآن وسنة النبي ، أضحوا يتكلمون بلغة لا مرجعية قرآنية لها ، وحسبوا أنفسهم في ذلك دعاة . قلت يا رسول الله زدني . قال : " إياك وكثرة الضحك فإنه يميت القلب ويذهب بنور الوجه . قلت يا رسول الله زدني . قال : " عليك بالجهاد فإنه رهبانية أمتي . قلت يا رسول الله زدني . قال : عليك بطول الصمت " . نحن أمة متكلمة ، نحب الثرثرة . " عليك بطول الصمت فإنه مطردة للشيطان وعون لك على دينك " يأتي الشيطان ألف مرة لمن يتكلم ، ويبتعد ألف مرة عمن صمت . قلت يا رسول الله زدني . قال : " أحب المساكين وجالسهم . قلت يا رسول الله زدني . قال : انظر في أمور دنياك إلى من هو تحتك ولا تنظر إلى من هو فوقك فإنه أجدر أن لا تزدري نعمة الله " انظر من هو أفقر منك في أمور المال حتى تشكر الله ولا تنظر من هو أعلى منك في المال . قلت يا رسول الله زدني . قال : " قل الحق ولو كان مراً . قلت يا رسول الله زدني . قال : ليردعك عن الناس ما تعلمه من نفسك " . إياك أن تعيب على الناس أمراً أنت ترتكبه ، نعيب على الناس أموراً ونحن نعلم أنها تعيش معنا وتلازمنا ، لكننا لا نراها عيباً ، ونكتفي بتعيير الناس بها وهي ألصق بنا من الناس " ليردعك من الناس ما تعلمه من نفسك ، ولا تجد عليهم فيما تأتي " أي لا تجد من نفسك شيئاً من الحقد والضغينة والاشمئزاز على الناس في أمر وأنت تأتي بهذا الأمر ، كفى بك عيباً أن تعرف عن الناس ما تجهله من نفسك ، ربما أكثرنا يعرف عيوب الناس ، وإن سألته فصَّل لك في عيوبهم ، فهذا عيبه كذا وكذا ، وذاك يتصف بصفات قبيحة هي كذا وكذا ، ولكن إن سألته عن نفسه قال : لا أعرف من نفسي إلا الخير ، إن سأل نفسه عن نفسه تراه يذكر عيوب الآخرين وينسى عيب نفسه ، أنت تحمل على الناس لأمر أنت تأتيه وتفعله وترتكبه . لا عقلك التدبير ، لا عقلك التدبير ، ولا ورعك الكف ، وحَسْبُك الحَسَب ، ولا حَسَب كحُسن الخلق . نريد أخلاقاً حسنة . هذه وصايا إبراهيم وصحف موسى وبعض وصايا سيد الكائنات محمد عليه وآله الصلاة والسلام . كفانا أن نتحدث عن السياسة ، كفاناً كلاماً عن فلان وفلان ، عن الوضع الفلاني . أيتها القنوات العربية . عَتَبي عليك شديد ، تريدين إثارات ولا تريدين علوماً ولا حقائق ولا معرفة ، حتى في مجالات الدين ، حتى في مجالات التدريس الديني تريدين إثارات وفوضى ، تريدين أن تلعبي – كما يقال – بعواطف الناس الموهومة . هذه مهمتك – إلا من رحم الله وقليل ما هم ، قليل جداً أيتها القنوات العربية . كفاك هدراً ، لقد أُتخم شعبي من مقولات فارغة تصدر عنك بأحاديث لا تمت إلى الحقيقة ولا إلى المعرفة ، شتمٌ ما تتكلمون ، سخافةٌ هذا الذي نسمع ، إن ما نسمع أضحى وبالاً ومرضاً . أيتها القنوات العربية كفي عن السياسة وحدثي الناس بأحاديث موثقة بكلام صحيح ، حدثيهم عن التربية ، عن الاجتماع من خلال القرآن والسنة الصحيحة الثابتة . قلت لكم منذ أسابيع : إن القنوات تصنع مشاهير ، وهؤلاء المشاهير يُسّلَّم لهم الزمام وهم يتكلمون ، ونحن قمنا بفحص بعض الذين تكلموا فإذا هم سواء في كل الميادين ، في الميدان السياسي والديني والاجتماعي والاقتصادي . الحديث غير موثق ، والمضمون ضعيف ، والتهريج واضح ، والأخذ بالعواطف الموهومة جليٌّ وبيِّن . لا نريد إلا أن نكون متبعين لوصايا النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " عليك بالصمت فإنه مطردة للشيطان وعون لك على أمر دينك " . اللهم اجعلنا ممن إذا قالَ قال خيراً وقال فغنم أو سكت عن شر فسلم . اللهم اجعلنا على قدم الاتباع لسيد البشر سيدنا محمد عليه وآله الصلاة والسلام في أقوالنا وأفعالنا وأحوالنا وأخلاقنا .
كل عام وأنتم بخير ، وألسنتنا بخير ، وجوارحنا بخير ، وعواطفنا بخير ، وقلوبنا بخير ، وبلادنا بخير ، وقدسنا بخير ، وكعبتنا بخير . كل عام وأمتي كلها بكلها بألف خير ، أقول هذا القول وأستغفر الله .

التعليقات

شاركنا بتعليق