آخر تحديث: الجمعة 19 إبريل 2024
عكام


نشاطات عامــة

   
مؤتمر المحكمة العربية لمناهضة العنف ضد النساء

مؤتمر المحكمة العربية لمناهضة العنف ضد النساء

تاريخ الإضافة: 2003/10/02 | عدد المشاهدات: 3885

بدعوة من محكمة النساء : المحكمة العربية الدائمة لمناهضة العنف ضد النساء شارك فضيلة الدكتور الشيخ محمود عكام في مؤتمر عقدته المحكمة بين الفترة الواقعة بين 2-4 تشرين الأول 2003 وذلك في بيروت بفندق ميريديان كومودور وقد ألقى الدكتور الشيخ محمود عكام محاضرة موضوعها :
قانون الأحوال الشخصية السوري وحقوق المرأة بين التعديل والتثبيت
عرض في المقدمة إلى صلاحية الإسلام عبر نصوصه الأصلية لكل زمان ومكان ، بَيْدَ أن القانون لا يعدو أن يكون فهماً من جملة الفهوم المُؤَطَّرة بعصرها , ومن هنا يجب البحث دائماً عن استنباطات جديدة من النص القرآني الإسلامي تتناسب وتطورات الزمن وتغيرات المكان .
ثم تحدث عن : ضرورة رفع سن الحضانة مستنبطاً ذلك من المذهب المالكي الذي يشكِّل خيطاً من خيوط النص , وتحدث أيضاً عن استراتيجية الإسلام حيال المرأة ضمن ملامح عامة يرسمها الإسلام للمرأة . وتحدث أيضاً عن أهلية المرأة للولاية العامة .
وفيما يلي النص الكامل للمحاضرة :
 

قانون الأحوال الشخصية السوري وحقوق المرأة
بين التعديل والتثبيت

مقدمة :
تجب الإشارة ابتداءً إلى أن قانون الأحوال الشخصية السوري الصادر عام 1953 والمعدَّل عام 1975 ، مستمد برمته من الشريعة الإسلامية ، عبر مذاهبها الفقهية المتعددة المتنوعة ، بيد أنه ألمح - بل صرَّح - في المادة
( 305 ) أن القاضي يرجع فيما لا نص فيه إلى المذهب الحنفي .
وبناً على هذا يمكننا القول :
إن المرأة ستجد نفسها في هذا القانون ، ولن ترى فيه غمطاً لحق من حقوقها ، فما عهدنا الإسلام العظيم في تشريعاته إلا مكرِّماً للمرأة ، مساويا ًبينها وبين الرجل ، عادلاً في أحكامه معها ، رافعاً من شأنها .
وإن لوحظ في القانون شيئاً يخالف هذا فإنما تبعته على المُقَنِّنين الذين استجابوا لمذهب فقهي دون آخر ، أو فهموا من النصوص الأصلية الإسلامية فهماً لا تحتمله دلالاتها ، فهم مع النصوص مبررون وليسوا مفكرين ، وهم مقعِّدون لعادات نسبت إلى الإسلام زوراً وبهتاناً ، وما هي منه بشيء .
والمهم بالنسبة إلينا الآن :
أن نعلن أن أي غمط للمرأة في حقوقها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية يفرزه القانون ومواده واجتهادات المحاكم الشرعية فيه ، لا يقره الإسلام جملة وتفصيلاً ، فالإسلام بعبارة وجيزة خيرٌ كله ، ورحمة كله ، للإنسان الذكر فيه والأنثى ، ولغير الإنسان من سائر المخلوقات الحية وغير الحية .
ولنا أن نقول أيضاً بعد هذا الذي قلناه :
إن من يحدد مصلحة المرأة ليسوا هم أولئك الذين شخَّصوا عقولهم بتصرفات وسلوكات نسوة في بقعة من بقاع الأرض ، وجعلوا من هذه التشخيصات معايير ثابتة لا يقدر الإنسان على مسِّها ، أو ربما إن مسها اتهم بمعاداة المرأة واحتقاره لها .
بل الذي يحدد مصلحة المرأة - في رأيي - صريح الدلالة من النصوص الإسلامية الثابتة النسبة لله عز وجل ، وشرحٌ لهذه النصوص أكيد الصلة بمن نزل عليه القرآن الكريم ، وسلوكات متلقين عن النص وشرحه بوعي وجرأة وفهم .
وكذلك يمكن اعتماد عقول المصلحين على اختلاف توجهاتهم وتفكيرهم ليكون معياراً في تحديد ما ينفع المرأة وما لا ينفعها .
وهذا الأخير مصدر من مصادر الأحكام الإسلامية الشرعية ، وهو المسمى بالاجتهاد ، وفي قائمته يدخل العرف والاستحسان والمصلحة .
وخلاصة الفكرة هنا تأكيد على أن ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن ، وعلى أن معيار الكرامة والحرية والعدالة المعتبر في تحديد غاية القوانين على اختلاف مجالاتها وميادينها ، فإذا تعارض قانون مستنبط من النصوص الإسلامية مع الغاية المشار إليها وجب البحث عن بديل يصب في الغاية ولا يتنافى معها ، فالنظر في مآلات الأفعال معتبر شرعاً ، كما يقول الإمام الشاطبي (1).
وها أنذا أعرض لبعض التعديلات الواجب إدخالها - في رأيي - على قانون الأحوال الشخصية السوري ، وأولها رفع سن الحضانة .
دعوة إلى رفع سن الحضانة في قانون الأحوال الشخصية السوري
جاء في قانوننا السوري أن سن الحضانة تسعُ سنوات بالنسبة للذكر ، وإحدى عشرة سنة بالنسبة للأنثى ، حسب المادة /146/ وتعديلاتها من قانون الأحوال الشخصية السوري .
والذي أراه :
أن تعدل المادة تعديلاً آخر فيتبنى القانون رأي المذهب المالكي ، القائل بأن المحضون ، إذا كان ذكراً يبقى لدى أمه ، أو من يليها بالحضانة حتى سن البلوغ .
وإذا كان أنثى فتبقى لدى أمها أو من يليها بالحضانة حتى الزواج ، ودخول الزوج بالفتاة (2) .
وذلك للأسباب التالية :
1- ما دامت الدولة تعتمد سياسة التعليم الإلزامي ، والتعليم الإلزامي حتى نهاية المرحلة الابتدائية ، أو مرحلة التعليم الأساسي ، التي يتجاوز فيها الولد - ذكراً كان أو أنثى - السن المحددة لانتهاء الحضانة في القانون . وهذا يعني نقله من أمه إلى أبيه وهو في المرحلة الابتدائية ، أو الحلقة الأولى من التعليم الأساسي ، وربما اتفق موعد الانتهاء وهو في منتصف السنة أو أيام الامتحان أو ..... وهذا ليس في صالح الولد .
والأفضل في رأيي أ، يتم المرحلة الابتدائية حيث ابتدأها ، وإلا ربما كان هذا التغيير البيئوي تِرةً وعذاباً على كل المراحل الدراسية التالية ، لما للمرحلة الابتدائية ، أو التعليم الأساسي من دور تأسيس وتكويني .
2- حتى إذا ما وصل المحضونُ الذكر إلى سن البلوغ ، عندها غدا مسؤولاً مكلَّفاً شرعاً وقانوناً ، ولا ضيرَ حينها من إنهاء حضانته ، وليمارس دوره بعدها مسؤولاً عالماً بما يصلحه وبما لا يصلحه .
وأما الأنثى فالأفضل في حقها - تربوياً واجتماعياً - بقاؤها لدى أمها ، أو من تلي أمها من الحاضنات إلى أن تتزوج ، فالأم أدرى برعاية شؤون البنت من سواها ، وحتى لو كان هذا السوى الأب .
3- على أننا لا نبغي هنا تعليق الانتهاء بمطلق البلوغ الطبيعي للذكر ، أو حدوث الزواج للأنثى ، وذلك لمشقة ضبط الأول ، وصعوبة معرفة وقت الزواج بالنسبة للأنثى ، والقاعدة الأصولية تقول : " إذا كانت العلة غير منضبطة حذفت وربط الحكم بالسبب المنضبط " ، ولذا فقد حددنا سن انتهاء الحضانة بالنسبة للذكر خمسة عشر عاماً ، وهي السن التي يسمح القانون له أن يُزوَّج فيها ، حسب المادة /18 - ف1 / .
وأما بالنسبة للأنثى ، فنهاية الحضانة مرهونة بالزواج ، وإذا ما تأخر الزواج فحضانتها تنتهي بإتمامها سن السابعة عشرة ، وهي السن التي يسمح القانون فيها أن تُزوّج نفسها ، كما جاء في المادة /20/ من قانون الأحوال الشخصية السوري .
والحضانة أولاً وآخراً ما هي إلا مسؤولية وتربية ورعاية وعناية ، وليست غنماً ولا انتقاماً ولا موضوعاً مستغلاً لتصفيات حساب بين الزوجين المتفارقين ، وما أظن أن أباً أو أماً يريد أحدهما الإضرار بولده .... اللهم إذا خلع جلباب إنسانيته ، وارتدى جلد حيواني شرسة ، وهنا لا ينفع قانون ولا يجدي شرع .

أهلية المرأة للولاية العامة
لا بد من الإشارة أولا ً إلى أن الإسلام دعا إلى التساوي في الحقوق والواجبات بين كل الناس ذكورا ً وإناثاً، وهذا لا يعني التماثل والتطابق وإنما يقصد منه رعاية الكفاءات وتقديرها وإعطاؤها حقها بغض النظر عن مصدرها . وعلى سبيل المثال : حق العالم ليس هو ذاته حق الجاهل ، وحق الغني لا يمكن أن يكون نفسه حق الفقير وقد كان هذا الحق للعالم أو الغني بناء ً على ( صفة ) كفائية أو اقتدارية معينة والقضية في ( أمر الرعاية ) محسومة لصالح الأكفأ في امتلاك مقومات ساحة ومجال وميدان هذه الرعاية والناس سواء أمام هذا .
هب أن الزوج الفقير ، والزوجة غنية فمن الذي يرعى مسؤولا ً أمر الإنفاق ؟ ومن الذي يتولى راغباً زمام الإنفاق ؟ !
الجواب : الزوجة الغنية .
وينسحب هذا على كل خلية اجتماعية صغيرة أو كبيرة ، وهذا ما تفرزه الآية الكريمة : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ) التوبة / 71 . ويبقى السؤال الأكبر ما تعلّق في الولاية العامة وهل هذه - أي الولاية العامة - خلية من جملة الخلايا التي أشرنا إليها آنفا ً أم أنها خارجة عن ذلك بقطعية سندية ودلالية معا ً ؟
أما الجواب : فينصب أولا ً على نفي القطعية السندية والدلالية الداعية إلى إخراج هذه المساحة أو تلك الخلية كما أسميناها عن نظيراتها من سائر الخلايا الاجتماعية والسياسية . فللمرأة حق التصرف اقتصادا ً واجتماعا ًوسياسة وبحسب امتلاكها للكفاءة المطلوبة لكل مجال كالرجل لا فرق بينهما في ذلك . وللمرأة (الولاية) إذا امتلكت مقوماتها كما هو الأمر بالنسبة للرجل ولا يمكن أبدا ً أن تفقد صفة (الأنوثة) أحقية المرأة بالولاية هنا : الولاية بشكل عام حتى إذا ما وصفناها بـ (العامة) وصار المراد منها : (( الرئاسة العامة )) قلنا ورددنا ما قلناه آنفا ً .
وإلا فماذا يعني حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القائل : " إنما النساء شقائق الرجال " رواه الإمام أحمد والترمذي . وماذا يعني حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم القائل أيضا ً : " ناس من أمتي عرضوا علي غزاةً في سبيل الله ، يركبون ثبج البحر ملوكا ً على الأسرة " فقالت أم حرام : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها . رواه البخاري ومسلم .
نعم ادع الله أن يجعلني منهم وهم الموصوفون بالملوك على الأسرة فدعا لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وأما ما احتج به من قبل المعارضين وهو حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " برواياته الكثيرة المختلفة فانه لا يدخل في عداد قطعي السند والدلالة على الإطلاق أولاً, ثم إنه واقعة حال حسب رأي بعضهم وواقعة الحال ليست دليلاً في البحث . وما أظن أن قوله تعالى : ( إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة ) النمل 34 ، يصلح دليلا ً لرفض تسمية الحاكم ملكا ًفي إسلامنا أو لنسف اعتبار ( الملكية ) صيغة من صيغ الإسلام السياسة المقبولة إذا قامت على العدل والشورى ومرجعية القرآن الكريم والسنة الشريفة . ولم نر في القرآن الكريم بعد ذكره وسرده قصة بلقيس الملكة تعليقا ً يفيد الإنكار على كونها ملكة أو حاكمة أو رئيسة ولو كان الأمر ممنوعا ًومرفوضا ًشرعاً لأشير إلى ذلك سيما وأن القرآن الكريم هو الكتاب الأعظم في اغتنام الفرص والتعليق المناسب واتباع القصص المحكية بالعبر المطلوبة .
إنها كلمة لا تشكل فتوى وإنما هي مشروع بحث جاد في تلك القضية الهامة جداً . سنعيد النظر كرة أخرى بوثائق أكثر ومفاهيم أوفى إلى أن نصل إلى ما يقربنا من مُرادات الله الحق أكثر واعتقادنا أولاً وآخرا ً أنَّ ما كان من الله حقاً هو الحق وبقدر ما تقترب الأحكام من الحق المطلوب بقدر ما تكتسب مقبولية إنسانية واعتبارا ً ربانيا ً مرضيا ً. فاللهم كن لنا في كل حال .


(1) انظر الموافقات للشاطبي : 1/117
(2) - انظر المدونة الكبرى .

التعليقات

شاركنا بتعليق