آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
نصائح منهجية إلى شعوبنا العربية والإسلامية

نصائح منهجية إلى شعوبنا العربية والإسلامية

تاريخ الإضافة: 2004/04/23 | عدد المشاهدات: 3581

أما بعد : أيها الأخوة المؤمنون :

يقال عن خطبة الجمعة من حكمتها أن يذكر الخطيب ما يعلمه عن موقف الإسلام من الأحداث التي جرت في الأسبوع الفائت ، وأظنني إذ أتكلم عما أعرفه عن موقف الإسلام حيال ما جرى أظنني أتفق مع جُلِّكم ، أو مع أغلبكم - ولا أريد أن أقف كثيراً في شرح هذه المواقف - عن الأحداث التي جرت ، فها أنذا أختصر ما وقع في قلبي من موقف يمكن أن أسميه إسلامياً لأنني أسعى إلى استقائه من القرآن والسنة وسيرة أولئك الذين سعوا فداروا في فلك القرآن والسنة استنباطاً وشرحاً وأخذاً وصدوراً ووروداً .
أما انفجارات الرياض فنشجبها ، وتفجيرات البصرة فنرفضها صيغة جهادية ، وقد سمعتم بأن الضحايا عراقيون منهم الأطفال ومنهم النساء ، وأما خطة اللعين شارون فنلعنها ونلعنه معها ، وأما الرئيس الأمريكي الذي دعم خطة شارون فكلامنا عنه ككلامنا عن شارون المدعوم من قِبَله نقول عنه : إنه خسيس صفيق خبيث لعين ، وأما عن شهادة الرنتيسي فنقول : إن تلك الشهادة رفعت بعض الإثم عنا في الآخرة وكانت مساهمةً في غسل عار تراكم على جباهنا ، وأما القدس فتحريرها واجبٌ في أعناقنا إلى أن يعلو فيها لا إله إلا الله محمد رسول الله حقاً وصدقاً ، وأما الجهاد فأعتقد أنه لم يبقَ لنا سواه ليكون الخيار الوحيد في تحرير القدس ، وأما حكامنا العرب والمسلمون فيا ويلهم إن لم يتوبوا إلى الله ويا ويلهم إن لم يتبنوا الإسلام في علاقاتهم ، ويا ويلهم إن لم يتوبوا عما يفعلونه من علاقات وعما يقيمونه من علاقات بينهم وبين أعدائنا إن بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر ، نقول لهؤلاء : إلى الإسلام . فالإسلام ضمان لكم ، ضمان لوجودكم الصحيح ، ضمان لحكمكم إن أردتم أن يسمى حكمكم عادلاً ، ضمان لوجود شعوبكم وجوداً صحيحاً ، وأما الشعوب فنتوجه إليها قائلين : لا تحتجي أيها الشعوب بالقهر وإن كنت مقهورة ، لكن ندعوك أيتها الشعوب إلى ثلاثة أمور ولطالما أحببت الاختصار في المواقف لتبقى المواقف محفوظة ، ولطالما أحببت التفقير أي ذكر الفقرات في المواقف لتبقى المواقف محددة ، فالمحدد هو الذي يسهل تطبيقه ، والمحدد هو الذي يستوعب في لوحة الذاكرة لينهل منها بعد ذلك في مجال السلوك الموافق الحسن . أيتها الشعوب إلى ثلاثة أمور أدعوكِ :
الأمر الأول أدعوك إلى الإيمان بالله حقاً ، إلى تجديد الإيمان ، إلى النظر بالإيمان بالله عز وجل على أنه المنهج النفسي الذي نجد فيه أرواحنا ، ونجد فيه أشواقنا ، ونجد فيه أفعالنا ، ونجد فيه إمكانياتنا ، ونجد فيه طموحنا ، ونجد فيه كل ما نصبوا إليه ، إلى الإيمان بالله حتى نعترف جميعاً من قلوبنا بأنه لا يضر ولا ينفع ولا يعطي ولا يمنع ولا يفرق ولا يجمع ولا يخفض ولا يرفع إلا الله ، إلى الإيمان حتى يستقرَّ في داخلنا شعور : " يا غلام : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله " إلى الإيمان حتى يستقر في شعورنا وفي إحساسنا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك ، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وأن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسر يسراً " إلى الإيمان بالله عز وجل أيتها الشعوب حيثما كنتِ ، إلى الإيمان على غرار الذين قالوا لفرعون : ﴿ إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى ﴾
طه : 73 إلى الإيمان ، إلى النظر إلى الله عز وجل عبر كتابه الكريم ، عبر رسوله الذي سنحتفل بذكرى مولده الأسبوع القادم ، عبر النور والكتاب ﴿ قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين . يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ﴾ المائدة : 15 - 16 أيتها الشعوب آمني وجددي إيمانك بالله عز وجل ، جددوا أيها الطلاب ، اعتمدوا على ربكم ، توكلوا على ربكم ، أيتها الشعوب جددي إيمانك بربك هذا أول الأمور .
ثاني الأمور : أيتها الشعوب المسلمة ، أيتها الشعوب المواطنة ، أيتها الشعوب : لطالما دعوت ودعا غيري على المنبر أو في مكان آخر نبيل ، في الجامعة ، في محاضرة ، في مركز ثقافي ... أدعوك أيتها الشعوب إلى الوحدة ، إلى الاتحاد ، إلى تحقيق الأخوة ، إلى أن تتآخي في ظل الله عز وجل ، إلى أن تتحققي بقوله جل وعلا : ﴿ إنما المؤمنون إخوة ﴾
الحجرات : 10 إلى أن تتحققي بآثار الأخوه ، وبمتطلبات الأخوة ، وبما تستوجبه الأخوة ، وبموجبات الأخوة ، أدعوك إلى النصيحة وإلى الحب ، أدعوك إلى الإيثار ، أدعوك إلى التعاون ، هذه الأمور من لوازم الأخوة ومن متطلباتها ، أدعوك إلى الإيمان ، وأدعوك إلى الوحدة ، نحن أمة مكلفة بالوحدة ، بأن تَتَّحد على أساس من أخوة راعية لمفردات هذه الأخوة التي هي نحن ، أدعوك أيتها الشعوب إلى وحدة على أساس من إيمان وعلى أساس من قرآن وعلى أساس من شخصية سامية لا أروع ولا أجمل ، على شخصية سيدنا المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، أدعوكِ أيتها الشعوب وقد صارت الأحداث تتوالى وتقع وكأن خيط السبحة قد انقطع ، أصبحت الأحداث كما نرى ، ما من يوم إلا ونشاهد إن على التلفاز أو نسمع من الإذاعة أو نقرأ في الصحيفة ، نرى هناك انفجاراً وهنالك قتالاً وهنالك احتلالاً وهنالك قتلاً لأبنائنا ولنسائنا ، وهنالك تجريفاً لأراضينا ، وهنالك هتكاً لأعراضنا ، وهنالك ، وهنالك . ألا يدفعنا هذا من أجل أن نلملم خلافاتنا فيما بيننا لنكون أمة موحدة على أساس من التوحيد ، وقد قلت أكثر من مرة : إن الأمة الموحِّدة يجب أن تكون أمة موحَّدة وإذا لم تتحد الأمة الموحدة أظن أن توحيدها لن يكون منتجاً آثاره ، ولن يكون نافعاً ، ولن يكون ناجعاً ، أمرنا بالتوحيد ، أمرنا أن نوحِّد لنتوحد على أساس من توحيدنا ربنا جلت قدرته .
الأمر الثالث أيتها الشعوب : أدعوك إلى الإعداد ، واذكري دائماً قول الله عز وجل : ﴿ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ﴾
الأنفال : 60 أما الشطر الأول من الآية ﴿ وأعدو لهم ما استطعتم من قوة ﴾ وهذا يعني إعداداً لما سوى الحرب ، لغير الحرب ، نطالب الشعوب بأن تُعِدَّ نفسها صناعة وزراعة واقتصاداً وتجارة وثقافة ، هذا هو الإعداد المطلوب في الشطر الأول ، وأما الشطر الثاني من الآية : ﴿ ومن رباط الخيل ﴾ فهذا يتعلق بالمعركة وبساحة المعركة ، وإذا ما أردنا أن نلتفت إلى رباط الخيل مباشرة دون قوة دُعِينا إلى إعدادها فَسَنَخْسَرُ المعركة لأن المعركة متصلة بالحال الآمنة ، بالحال السليمة ، بالحال العادية قبل الحرب ، لا يمكن أن تنجح معركة ولو أعد لها إذا لم يكن الإعداد في الحال الطبعية قوياً ، إذا لم تكن القوة متجزرة في كل مناحي حياتنا وفي كل صعدها وفي كل مستوياتها . أيتها الشعوب المسلمة العربية ، أيها المواطنون الأكراد والعرب ، أيها الإخوة في كل مكان في بقاع أرضنا العربية والإسلامية على اختلاف جغرافيتها على اختلاف تضاريسها ، على اختلاف وهادها وجبالها : إلى الإعداد ، تحولي أيتها الشعوب من شعوب مستهلكة إلى شعوب منتجة ، تحولي أيتها الشعوب من أمة متكلة على الآخر إلى أمة مستقلة بنفسها تصنع ما تلبي ، وتزرع ما تأكل ، وتتنادى جميعاً من أجل أن تكون في ساحة القوة ، القوة الاجتماعية والقوة التربوية والقوة الاقتصادية ، تنادي أيتها الأمة ، تنادي أيتها الشعوب إلى ساحة القوة ، وإلى ساحة الإنتاج حتى تربحي المعركة التي ستخوضينها ، ولن تخوضي المعركة ولن تربحي المعركة إلا إذا سبقت هذه المعركة بسعيٍ بقوة إلى زراعة وصناعة واقتصاد واجتماع وتربية وثقافة وتآلف . نريد من الشعوب أن تنفض عنها غبار الوهم ، أن تنفض عنها غبار العاطفة التي لا تمدها إلا بجموح أعمى ، نريد من الأمة أن تنفض عنها غبار الكسل ، نريد من أمتنا أن تنفض عنها غبار العداوة فيما بينها ، نريد من شعوبنا أن تتآلف ، أن تكون واضحة ، أن تكون صريحة فيما بينها ، ما الذي بيني وبينك ؟ أنا مسلم وأنت مسلم ، ولست بذلك المسلم الوصي عليَّ ، ولست بذلك المسلم الوصي عليك ، إنما نحن اثنان أو ثلاثة نتحاور ونتناقش وكلنا يضمر في داخله إرضاء ربه عز وجل وإرادة الخير لهذا الذي أمامه ، للمسلم الذي أمامه مَنْ كان هذا المسلم ، ولأي مذهب ينتمي هذا المسلم ، المهم أن نكون تحت راية القواعد العامة لإسلامنا ، ولتوحيدنا تحت راية : لا إله إلا الله محمد رسول الله حقاً وصدقاً . أيتها الشعوب : آن الأوان وإلا فماذا تنتظرين ؟! كم قلت لك - أيتها الأمة - وأنا لا أعني حينما أقول كم قلت لك أني أخاطبك وأعزل نفسي عن الخطاب ، لا ورب الكعبة ، إنما أخاطب نفسي قبل أن أخاطب الأمة ، قبل أن أخاطب الآخرين ، هذا الكلام أوجهه لذاتي ، وأريد أن أوجهه لإخواني ، للمسلمين في كل بقاع الأرض ، فقد آن لأوان من أجل نهضة ، حينما نتحدث عن كلمة نهضة ، كلنا يتوق لهذه الكلمة ، حينما نتحدث عن اليقظة ، كلنا يتوق إلى هذه الكلمة ، ألم يأن الأوان من أجل حركة بعد هذا الحديث العاطفي الذي شاخ على ألسنتنا ، والذي شاخ وهو يخرج من أفواهنا ، لأن أفواهنا هي التي تتحرك ، وأما سائر الأعضاء فقد بقيت هامدة إن لم أقل أضحت متنازعة من قبل الاستهلاك والفساد والعداوة فيما بيننا ، فهل يجوز هذا ؟!
أخيراً : اسمحوا لي أن أقرأ بياناً أصدرته في وقت استشهاد القائد عبد العزيز الرنتيسي ، وإنها لمناسبة من أجل أن يذكر بعضنا بالخير من أجل أن نتداعى إلى خير نريد أن نؤسسه تحت أرض هذا الوطن ، نريد أن نؤسسه ليكون بنية تحتية لكل سلوك ندعو إليه فيما بعد ، فالسلوك إن لم يتجذر توحيداً وإيماناً وحباً ونصيحة لا يمكن أن يكون سلوكاً مطلوباً ، عنونت بياني : دمٌ طاهر أُريق بيد فاجر .
إذا رأيتَه حسبتَه من ذيَّاك العصر النوراني الذي وُصِفَ بالرشد فهنيئاً له ، وإذا سمعتَه سكبت في أذنك تراتيل الهداية وأنغام الوفاء لقيم ديننا الحنيف .
وحين سمعنا نبأ استشهاده ازددنا يقيناً به بَرَّاً مُجاهداً وقائداً وفياً فأَتبعنا اليقين حزناً على الفراق ممزوجاً بعهد ومعاهدة على الاستمرار في خط المقاومة والجهاد . فلا والله لا ينفع الكيان الغادر سِلمٌ ومُسَالمة ، ولا حوار ولا معاهدة ، وإنما السبيل نضالٌ بالنَّصَال ، وقِتال بالنِّبال ، ومجاهدةٌ بالقوة ، ورباط الخيل .
أيها المجاهد الشهيد ، يا عبد العزيز ، يا ابن فلسطين ، يا وليد العزة الإسلامية : السلام عليك منَّا حيث كنا نحن الشعوب المقهورة .
السلام على روحك الطاهرة حيث صارت وهي ـ إن شاء الله ـ في جنان الخلد ترفرف .
السلام عليك مع الشهداء أحياءً عند ربكم ترزقون .
وأنتم يا خلفاء الشهيد في " حَمَاس " ويا أنصاره في الجِهاد والفتح والجبهة وسائر الفصائل : عليكم فلسطين : الزموها محرِّرِين ، وقاتلوا في سبيل إعلاء كلمة الحق فيها موحّدين ، وكونوا كأنكم بنيانٌ مرصوص في مواجهة المعتدين .
أما حكامنا العرب والمسلمون فاعتذروا يا هؤلاء إلى الله مما تفعلون فورب الكعبة إنه غير مُجْدٍ ، بل هو تِيهٌ ولهوٌ وسوف تتأكدون ، فإسرائيل لا ترعى في كلامكم وحواركم ومعاهدتكم إِلاً ولا ذمة ، وإن كنتم ترون غير ذلك فأرونا الذي ترون ؟! وكونوا على يقين أن شعوبكم معكم إذ في سبيل الله تجاهدون، وهي منقادةٌ لكم إن كنتم لعزتها بالله تسعون ، فشعوبكم ـ يا قادة وأنتم قادة وستبقون قادة ولا نريد منازعتكم ولكننا نريد نصحكم فشعوبكم يا قادة ـ جِدُّ تائقةٌ إلى شميمٍ من مجد أو عبق من عزة أو نفحة من مكانة رفيعة فأجيبوها وأغيثوها قبل فوات الأوان وتلّقي الخسران .
أيها المجاهد الشهيد الرنتيسي : حُيِّيت بالتقدير وأنت في فردوس الشهادة ، وإنا إذ نُحيِّيك نقول : إنا على فراقك لمحزونون ، وإنا لله وإنا إليه راجعون وها نحن نَرمُقك من بعيد ولسان حالك يلهَجُ بقول الله تخاطب به الأمة : ﴿ ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون ﴾
النساء : 104 .
اللهم ارحم شهداءنا ، اللهم إنا نسألك نهضة لشعوبنا ، نسألك اللهم نصراً لقضيتنا التي ترضيك ، نسألك يا ربنا تحريراً لقدسنا ، نسألك يا رب أن ترد المسلمين ، وأن تردنا إلى دينك رداً جميلاً إلى توحيدك ، إلى قرآنك ، إلى سنة نبيك ، أن تردنا يا رب رداً جميلاً ، وأن تعرفنا برجالاتنا ، وأن نكون خلف رجالاتنا منقادين أيضاً يدلوننا على الذي يرضيك يا رب العالمين ، نعم من يسأل أنت ، ونعم النصير أنت ، أقول هذا القول وأستغفر الله .

التعليقات

شاركنا بتعليق