آخر تحديث: الثلاثاء 03 ديسمبر 2024      
تابعنا على :  

أخبار صحـفيـة

   
حوار جريدة الكفاح العربي الصادرة في بيروت

حوار جريدة الكفاح العربي الصادرة في بيروت

تاريخ الإضافة: 2002/03/04 | عدد المشاهدات: 4129

تاريخ : 4/3/2002

مذ كان الدكتور محمود عكام طالباً يدرس في فرنسا بجامعة السوربون ، كان يحمل تلك الأسئلة المثيرة ، الأسئلة الكبيرة ، أسئلة مثقف يريد أن يزيل الحواجز ما بين الإنسان وربه ، يريد أن يكسر الزجاج الذي يشكل حاجزاً رسمياً وسميكاً بين النص الديني وبين عقل الإنسان وقلبه . صدر له أخيراً " من مقولات الفكر الإسلامي " وفيه يتابع بحثه واجتهاداته في قراءة بعض ما كان مبهماً وغامضاً للقبض على الحياة .
الكفاح العربي : ماذا عن علاقة الفكر الإسلامي بمشروع النهضة الذي أجهض مع مطلع القرن العشرين ، أنت تتساءل في كتابك " من مقولات الفكر الإسلامي " هل يمتلك ديننا الحنيف مقومات النهوض بعد القعود أم لا ؟ نريد جواباً أكثر إحاطة وأكثر دقة ، إلا أننا نريد أن نعرف موقفك من هذا المشروع ولماذا سقط ؟
د. عكام : مشروع النهضة العربية في بداية القرن العشرين أجهضته المصادمات مع الفكر الإسلامي ، وقد سببها أي المصادمات ، إغفال المشروع للإسلام فأدى هذا إلى رفض الفكر الإسلامي للمشروع النهضوي العربي من أصله . ولو أن مشروع النهضة العربية دخل في إطار التكامل مع الإسلاميين والفكر الإسلامي لحدث أفضل وأحسن مما حدث . ولا نريد الدخول في أسباب الأسباب ، ولكننا نصر على القول : إن الإسلام يمتلك مقومات النهوض إذ يحمله عارفٌ به عالمٌ بدقائقه واتساعاته واحتمالات دلالاته . وبعبارة أخرى : لا بد للنهضة من جديد ، من عروبة تشخّص الإسلام ، وإسلام تتبناه العروبة مضموناً فكرياً وعقدياً وهوية ، فالتزاوج بين العروبة والإسلام هو الحل الأمثل لتجاوز الخلاف وللنهوض المنشود . كما لا بد من إعادة تقعيد للمصطلحات التي يطلبها الإنسان بفطرته ، والتي تعبر عن رُقيّه وتساميه ومكانته اللائقة ، وهذه المصطلحات هي :
الدين : ومحله ومجاله ، فالدين ليس عبادة صرفة فحسب ، وإنما هو نظام شامل يستند إلى نص متجدد العطاء والإصدار الدلالي .
الوحدة : وضرورتها ، ويجب أن لا تبقى في حدود الشعار ، بل على النهضويين تثبيت الأسس وتوضيح مفاهيمها واعتبارها الأهم من بين كل واجبات السلطة والفرد والجماعة والمجتمع .
النص والاجتهاد المستمر : فالنص لم يغلق ولن يغلق ، وها هو الأفغاني يقول : " ما معنى باب الاجتهاد مسدود ؟ وبأي نص سُدّ ؟ وأي إمام قال : لا يصح لمن بعدي أن يجتهد ! إن الأئمة اجتهدوا واجتهادهم فيما حواه القرآن ليس إلا قطرة من بحر " رَ . زعماء الإصلاح في العصر الحديث لأحمد أمين ص 113 .
العمل : وأهميته ، والعمل لا يعني حركة واضحة تحمل بصمة العبادة الجلية ، بل هو شامل شمول العلم ، ولا بد من تحويل العلم إلى عمل ، وإلا فالعلم جدل .
السلطة السياسية : التي فُهِمت امتيازاً ، وأدى هذا الفهم إلى انحطاط ، مع أنها في أصلها تبعة وتعب ومسؤولية وعمل متواصل وخدمة . السلطة أمانة وائتمان من الناس للحاكم على الأموال والأعراض والمبادئ ليعطيها حقوقها جميعاً . السلطة تنظيم فيه حماية ورعاية .
الحرية : وتجديد ملامحها ، فهي ليست فوضى ، وإنما هي : مساحة تعبير بالقول والعمل بعيدة كل البعد عن الإكراه والضغط والقسر ، وما وجد الإنسان وما خلق إلا ليكون حراً ، فإذا ضيق عليه في حريته فلا كرامة عندها ولا تكريم .
الكفاح العربي : في حديثك عن ثورة الحسين ( ع ) تسعى إلى تعريفنا بثورته ، فيما أسباب سقوطه شهيداً - شهيد أفكاره لانتزاع السلطة تركتها - تركت أجوبتها غامضة . هل كان الحسين ( ع ) يسعى إلى الاستئثار بالسلطة أم لانتزاعها لأنها ملك الأمة ، وهو ما اتفق علي ( عليه السلام ) ومعاوية لفض النزاع بينهما ؟
د. عكام : ثورة الحسين كما عنونت المحاضرة هي ثورة الإنسان على الطغيان ، هي ثورة أنموذج قام بها الحق على الباطل ، لم يكن الغرض منها وصولاً إلى سلطة ، بل الغرض منها وصولاً إلى سلطة ، بل الغرض الذي تجلى من خلال الفعل والقول هو الإصلاح ، وقد قالها الإمام الحسين بقوة : " إني لم أخرج بطراً ولا أشراً ، وإنما خرجت أطلب الإصلاح في أمة جدي محمد " . والإصلاح هو : العمل على أن يتسلم الصالحون زمام الأمور في مختلف المستويات ، والصالحون هم الأكفياء في المجال الذي يتولون قيادته ، والذين يخافون ربهم فلا يغدرون ولا يغشّون ولا يخونون . ولذلك قال الحسين : " يزيد رجلٌ فاسقٌ شاربٌ الخمر ، وقاتل النفس المحرمة ، ومعلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله " . وهو مَن قال واصفاً الإمام الصالح للسلطة : " لعمري ما الإمام إلا العامل بالكتاب ، والآخذ بالقسط ، والدائن بالحق ، والحابس نفسه على ذات الله " .
الكفاح العربي : كل فكرٍ ، بل كل إيديولوجيا حتى الدينية ، عندما تغلق باب الاجتهاد ولا رأي إلا رأيها ، ولا شريعة إلا شريعتها ، تتحول إلى وثن ، وإلى سوط وإلى سجن / تفكيرنا - فكرنا العربي / خصوصاً الإسلامي ، تعرض للمضايقة وحتى للتكفير ( حالة الحسن البصري وحالة المتصوفة خصوصاً الحلاج ) ما دور الاجتهاد هنا ؟ وهل يحسم أو يسوي مثل هذا الخلاف ؟
د. عكام : نحن الذين ننادي بصوت عالٍ : إن الاجتهاد ميزة هذه الأمة ، وهو المصدر الوسيط المستمر ، ولا يمكن أن يهمل بل هو قائم ما دام النص الإسلامي من قرآن وسنة قائماً ، بل الإسلام من غير اجتهاد مستمر مضبوط قاصر على استيعاب مدته التي تصل إلى القيامة ، وأتباعه الذين يتجاوزون القرون الأولى من ظهوره ، وإذ ندعو إلى ممارسة الاجتهاد فمن أجل ضرورة ملحة تفرزها حوادث جديدة وقضايا راهنة ، والاجتهاد : في النهاية رأي بين الآراء ، لا يمكن اعتباره وحده دون سواه من اجتهادات أخرى ، وقد قلت في أكثر من مناسبة : " لا نريد أن يُتَّخذ رأي لعالم في السابق أو لآخر لاحق حاكماً على سائر وبقية الآراء والفهوم " .
والزمن الماضي أرانا بكل وضوح حركة الاجتهاد الرائعة والمجتهدين الذين اختلفوا وبقوا على اختلافهم مسلمين يعترف بعضهم ببعض ، والأمثلة جد وفيرة في التاريخ الفقهي والأصولي والعقدي ، وبعبارة موجزة ، إن الذي سعى إلى إغلاق باب الاجتهاد وسده هو واحد من اثنين : إما حاكم جائر وجد في بعض الاجتهادات تبريرات لجوره فأبى غيرها وقطع الطريق على سواها ، وإما فقيه كسول خمول جهول لا يعرف ما يجري حوله ، ولا يطلع على مستجدات العصور والأزمنة . وقد يجتمعان معاً ، وهذه أوضح صورة تجلي أسباب تأخر المسلمين. أعني : الحاكم الجائر يبرر له الفقيه الكسول الخمول ، ويمكن أن نجسد هذه المعادلة في فترات متعددة من الحكم العثماني ، ولدى عدد لا بأس به من سلاطينهم ، وحسبنا الإشارة الآن ، وسنتبع الإشارة عبارة في مستقبل قريب في كتاب بعنوان : " الاجتهاد : تطلع عقل وضرورة نص " .
الكفاح العربي : في مقولتك هل الديمقراطية مطلب إسلامي تؤكد إعطاء العقل حريته ليفحص ويمحص مستفيداً من المستجدات العلمية على أن لا يذهب إلى الفلسفة / هل الفلسفة لا تزال تخيفنا ؟
د. عكام : نحن لا نخاف من الفلسفة ، وإنما نخاف على العقل من بعض مطبات الفلسفة ، فكلنا يدرك أن الفلسفة ، أمس واليوم ، لم تقدم حلولاً مقنعة للقضايا الكبرى ، " فالله والكون والإنسان " لم تزل هذه المصطلحات في عالم الفلسفة غير جلية ، لا سيما عند الذين يتولون شطراً ضعيفاً منها ، ويقتنون بأدواتهم الاستنباطية نذراً يسيراً ، وقد صرح الفيلسوف فرنسيس بيكون أكثر من مرة أن " قليلاً من الفلسفة يوقع في الإلحاد ، وأن التعمق فيها يوصل إلى الدين الحق " . والسؤال الذي نطرحه هنا ، كم عدد هؤلاء الذين تعمقوا ؟ وكم عدد أولئك الذين كانوا متمكنين من الفلسفة تمكناً أوصلهم إلى الدين الحق .
لا تفهمني بطريقة خاطئة : فأنا أدعو إلى الفلسفة أسلوباً ، كما أدعو إليها مضموناً ، ولن أتنازل عنها منهاجاً ، ما دامت تعني الحكمة وحبها ، والمنطق ورسوخه ، وما أظن أن صوابها يخالف صواب الدين الحق ، ولا خطأها كذلك . إذاً دعني أوجه دعوة إلى الإنسان أياً كان من أجل اقتحام السبيل الذي يختار والمهم أن يضع نصب عينيه غاية الوصول إلى الحقيقة ، فكل الطرق تؤدي إلى روما كما يقولون . الفلسفة في النهاية تؤدي إلى حقائق الدين ، والدين لا يعادي سبيلاً يدفع العقل للتفكير الصحيح السوي .
الكفاح العربي : أنت تثير موضوعاً حساساً في كتابك الجديد " من مقولات الفكر الإسلامي " إذ تجيز سماع الموسيقى / سماع الأغنية التي تجمع ما بين الصوت الحسن والكلمة الطيبة . هل صرت تميل إلى العلمانية وليس التوفيقية أم أنك استنبطت حكمك هذا لأن النص الديني يجب تحريره من القيود التي حولته إلى وثن ؟
د. عكام : الموسيقى التي أجيز سماعها لم يختلف على جواز سماعها اثنان ممن يفهمون الدين ويدرسونه دراسة واعية وفق أسس استنباطية عقلية متينة ، ولم آتِ بالحكم " الجواز " إبداعاً ، بل مطروحاً في ثنايا كتب الفقه والتفسير والحديث . لكن المشكلة أن الموسيقى كغيرها من الفنون شُوِّهت واكتنفها الفساد ، فأثر ذلك فيها فغدت في نظر الناس ملحقة في الحكم بما اكتنفها ، وبالتشويه الذي غلفها ، وأنا أطلب في هذا المقام فئتين : الفئة الأولى : الفنانون والموسيقيون . أقول لهم قدموا الفن والموسيقى كما هي دون لبوس تجاري تسويقي فستجدون أن النظرة إليها حينئذ تختلف . والفئة الثانية : الفقهاء ودارسو الشريعة ، أقول لهم : أعطوا الحكم للقضية بذاتها وبمعزل عما لحق بها من تشويهات أو فساد ، وبينوا في الحكم وفصلوا ، وقولوا إن الموسيقى في أصلها حلال لأنها فن نظيف يلطف الإنسان ويرطب العاطفة ويدفع بالروح نحو السماء ، لكن إذا استخدم هذا الحلال ليوصل إلى حرام وفساد ومجون فالاستخدام حينها حرام . النص الإسلامي رحب الفضاء والدلالة ، وقادر على استيعاب كل خير يلامس الإنسان ويصب في مصلحة الإنسان . النص الإسلامي : نص فطري ولم يكن في يوم من الأيام ضد الفطرة ، وإذا كانت الموسيقى من متطلبات الفطرة فلا عليك إذا قلت : إن الموسيقى من الإسلام .
الكفاح العربي : دائماً نتحدث عن المثقف المفكر الذي يثير غضب السلطة بنقده المباشر ، وننسى أن هناك مثقفاً آخر ينتقد السلطة ولا يثير غضبها ، حتى إنه يعريها من ثيابها ويرينا عوراتها السياسية والاجتماعية ألا وهو الروائي والمسرحي والقاص والفنان التشكيلي .
د. عكام : لا بد في البداية من تحديد معنى الثقافة ، فالثقافة - في رأيي - تحويل المعطى المعرفي القيمي إلى سلوك ، والتحويل يستلزم معرفة المعطى المعرفي هذا ، فإذا تمت معرفة المعطيات وتمكن منها فما على الذي يريد الاتصاف بالثقافة إلا أن يبذل الجهد لتحويل ذلك كله إلى سلوك ، وهنا يلح سؤال بالظهور على الشفاه مفاده : من أين تستلهم المعطيات المعرفية القيمية ؟ وجوابي على هذا السؤال : إن القرآن الكريم هو المصدر الأساس لهذه المعطيات . وبناء على هذا الذي قدمناه نقول : يجب على كل فرد منا وبحسب اختصاصه الذي اختاره أو اختاره القدر له أن يسعى لتحويل المعطيات المعرفية القيمية التي تشكل مساحة اختصاصه إلى سلوك ، فالسياسي والاقتصادي والاجتماعي والممثل والمسرحي والفني و.... كل في مجاله . كما أود التنويه إلى أن التعرية المباشرة لنظم غير موفقة إنسانياً لا تعني الثقافة ، فالثقافة بناء وجهد وعطاء وإيجاب ، وهي بحالها تدخل على نقيضها وما يخالفها ويعارضها ، فالخير وتبيانه وتحديده هو شغلنا الشاغل ، وأما الشر فيتحدد تلقائياً .
اسمح لي أخيراً أن نعد أنفسنا جميعاً مثقفين شركاء في شركة مساهمة كل يقدم فيها الذي يملك من معطيات معرفية قيمية ، وقدرات تحويلية تنصب على هذه المعطيات لتحولها إلى سلوكيات مرسومة على ملامح الناس وتصرفاتهم وحركاتهم وسكناتهم .
الثقافة حسب تعريفها عندي تتلون بلوم مصدرها ، فما دامت تعني : تحويل المعطى المعرفي القيمي إلى سلوك إذاً فهي ثقافة الفقيه إذا كان مصدر المعرفة القيمية الفقه ، وهي ثقافة الأدب والأديب إذا كان الأدب هو المصدر ، وكذلك ثقافة الفكر لأن مصدرها معطيات الفكر ، على أن هذه التلوينات لا تعني تفوق لون على لون لمجرد كونها لوناً ، وإنما يأتي التفوق من خلال سهولة تحويل القيم المعرفية إلى واقع ، ومناسبتها للإنسان ، والواقع له كلمة الفصل ، ولئن سألتني عن لون ثقافتي قلت : هي ثقافة إسلامية ، لأن مصدري فيها القرآن الكريم والسنة الشريفة ، وهما الأصلان الأساسان للإسلام ، فإذا تابعت مسألتي عن سر قناعتي بها أجبتك : بشمول وعموم اتصفت بهما هذه الثقافة ، أقنعاني بها . أما الشمول : فالسعة التي لا تترك صغيراً ولا كبيراً إلا أتت عليه بقيم قابلة للتحويل . وأما العموم : فالاستيعاب الذي لا يترك أبيض ولا أسود ولا أحمر ولا أصفر من البشر خارج خطابها وندائها . وإذا كان هناك من كلمة أخيرة : فدعني أُرَكِّز على حرية اختيار الإنسان وممارستها لتكون هذه الحرية أهم عنصر من عناصر الثقافة ، بل هي الضرورة التي لا بد منها من أجل تحقق الثقافة ، وتكاملها في الإنسان وعلى الأرض ، أما إذا فقدت أو أفقدت الحرية من الثقافة ، عندها لا ثقافة ولا إنسان ، بل هي أهواء رخيصة وآلة صماء تدعى بهتاناً إنساناً . ( قد تبين الرشد من الغي ) و ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) .

حوار : أنور محمد

التعليقات

شاركنا بتعليق