آخر تحديث: الجمعة 19 إبريل 2024
عكام


أخبار صحـفيـة

   
مجلة أبيض وأسود تحاور الدكتور عكام حول النظام السياسي الديني

مجلة أبيض وأسود تحاور الدكتور عكام حول النظام السياسي الديني

تاريخ الإضافة: 2007/06/10 | عدد المشاهدات: 3894

أكد فضيلة الدكتور محمود عكام ضرورة ربط السياسة بالعقيدة وليس العكس، فالسياسة هي التي تفرق دون سواها، وحين تربط العقيدة بالسياسة سيحصل الانقسام المرعب والمخيف.

وأكد أن الخلافات بين المذاهب الإسلامية لن تنتهي ما دامت هذه الأخيرة تنتهج السياسة وتستخدم مفرداتها وتحاول أن تتحدث عن دولة منتظرة تعنونها بعنوان مذهبها.

وقال الدكتور عكام إن التقريب بين المذاهب شعاراً أو كشعار أمر مرفوض بالنسبة له، داعياً إلى (التعاون) المنصبّ على تمكين العلم والمعرفة والحوار والتقوى وخوف الله عز وجل، وحينها فما يطلبه المخلصون في التقريب ومن التقريب حاصل هنا... فـ ﴿اعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا﴾.

جاء ذلك خلال الحوار الذي أجرته مجلة "أبيض وأسود" الصادرة بدمشق مع الدكتور الشيخ محمود عكام في عددها رقم 224 بتاريخ: 11/6/2007، وفيما يلي نص الحوار:

مجلة أبيض وأسود: منذ فجر الإسلام انقسم المسلمون إلى مذاهب وطوائف. ما هو الأساس في هذا الانقسام، وكيف ننظر إلى مسألة المذهبية في الإسلام؟

الدكتور عكام: السياسة يا أخي هي التي تفرق دون سواها، وحين تربط العقيدة بالسياسة سيحصل الانقسام والانقسام المرعب والمخيف، أي حين تغدو السياسة هي المتحول والعقيدة هي التابع فتلك الكارثة، ولذلك ننادي بضرورة ربط السياسة بالعقيدة وليس العكس، ومن منا لا يذكر السقيفة، وقد حدث ما حدث فيها لولا أن فَاءَ الكبارُ يومها إلى الأساس الجامع بين المسلمين وأنه ليس السياسة ولا الخلافة باعتبارها مفردة من مفردات السياسة، وإنما الذي يجمعهم هو كلمة التوحيد وثوابت هذا الدين (الله، القرآن، محمد).

ولا نفرق هنا بين مذهب ومذهب وكلنا نقول ونؤكد أنه حتى بالنسبة للمذاهب الفقهية فإنها حين ارتبطت بالسياسة أدت إلى كوارث ونزاعات وقتال و... والتاريخ إن أردت طرقه فسينبئك.

مجلة أبيض وأسود: في حالات تاريخية كثيرة، أدى الانقسام إلى صراعات وخلافات وحروب. هل ما زال المسلمون بانقساماتهم أسرى الموروث في الانقسامات؟

الدكتور عكام: لا يزال المسلمون أسرى الموروث في الانقسامات فيما يخص المذاهب الألصق بالسياسة أو التي تكونت على أساس من اختلاف في الحكم ومن يستحقه وفي قيادة الدولة ومن هو أولى بها.

مجلة أبيض وأسود: يقوم عدد من الأنظمة السياسية على أساس ديني/ مذهبي، هل يعزز ذلك حدة الصراعات الدينية والمذهبية في العالم الإسلامي؟ وكيف تنظرون إلى علاقة الشيعة العرب مع إيران ؟

الدكتور عكام: المشكلة في السياسة عندما يخدمها الدين وينظر إليها على أنها تجليه الأكبر بل الأوحد ولهذا فإن النظام السياسي الديني المذهبي سيزيد من حدة الصراعات الدينية في العالم، وأما علاقة الشيعة العرب مع إيران فهي علاقة وطيدة لأنهم جميعاً يؤمنون بالسياسة جزءاً هاماً بل أهم من مذهبهم ودينهم وبالتالي فعليهم موالاة من يوافقهم النظرة من أبناء طائفتهم الشيعية.

وباعتبار أنه ليس ثمة نظام سني بالمعنى المراد عند أهل السنة أي ليست السياسة نابعة من المذهب السني على تنوع توجهاته الفقهية، فإن فئة أو فئات من أهل السنة قامت لتعلن الحرب على الشيعة والدولة الشيعية ومن يرتبطون بالدولة الشيعية، وسعوا جاهدين لتأسيس دولة سنية نديدة لشيعة.. وهذا ما تسعى إليه "القاعدة" وسائر الحركات المنتمية لها في توجهاتها من جند الشام وفتح الإسلام و...إلخ، وكذلك سائر الحركات الإسلامية السياسية في مختلف أصقاع الدنيا.

مجلة أبيض وأسود: أخذ موضوع التشيع يبرز مؤخراً في عدد من الدول العربية، كما برز موضوع التسنن في عدد من الدول الأخرى .. كيف تنظرون إلى موضوع "التبشير" المتبادل بين السنة والشيعة ؟

الدكتور عكام: وفيما يخص التشيع أو التسنن فنحن يا سائلي مع الحرية في ممارسة دعوة كل طائفة أو مذهب إلى مبادئه شريطة أن تكون فرص الدعوة لجميع الفرقاء متكافئة وألا تتدخل الدولة باعتبارها صاحبة السيادة والسلطان لتكون بجانب مذهب في مواجهة مذهب، وعلى ألا تكون أيضاً الدعوة إلى التشيع أو التسنن امتداداً لدولة ما ضمن دولة أخرى فذلك تعدٍ وتجاوز لا يقره القانون الدولي ولا يرضى به العرف العالمي العام السليم، وحين تمارس الدعوة إلى مذهب ما وفق المعايير التي ذكرنا يجب أن تتجلى الممارسة بأدبيات الأمر بالمعروف وأدبيات الحوار من احترام مشاعر الطرف الآخر وعدم الإساءة بالألفاظ المزعجة، وبعبارة وجيزة: على جميع الدعاة من أي الأطراف كانوا التحلي بـ ﴿وقولوا لله حسنا﴾ و ﴿ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة﴾ و ﴿ادفع بالتي هي أحسن﴾ و ﴿ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم﴾ و ﴿ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن﴾ فما بالك إذا كانت المجادلة مع أهل كتابكم نفسه يا مسلمون، وهذه الاستشهادات التي ذكرناها آيات قرآنية شريفة.

مجلة أبيض وأسود: عاد الحديث من جديد حول مصحف فاطمة، إلا أن عدداً من علماء وأئمة الشيعة نفوا تماماً وجود أي مصحف آخر غير القرآن الكريم المتواجد بين أيدي الجميع.

الدكتور عكام: وأما مصحف فاطمة فهو مصحف تفسير وفهم، كمصحف ابن مسعود وليس بمصحف يوازي مصحف المسلمين وقرآنهم، فلا تجعلوا من هذا الأمر مثار خلاف وإشكال وهو في حقيقته لمعة نور لدى سيدة نساء العالمين فاطمة رضي الله عنها فقد أفرغت فيه تفسيرها وتأويلها لآيٍ من الذكر الحكيم.

مجلة أبيض وأسود: هل ترون أن ثمة أثراً للسياسات المحلية في الدول العربية والإسلامية على الصراعات المذهبية؟

الدكتور عكام: للسياسات المحلية في الدول العربية والإسلامية كل الأثر على الصراعات المذهبية، لأن هذه السياسات – بشكل عام– يهمها وجودها واستمرارها في الحكم فإذا اقتضى أمر استمرارها إثارة النزاع بين المذاهب فستستمر وإذا لزم أمر بقائها وتمكنها تأجيجُ الصراع المذهبي فلا مانع من هذا، وأؤكد ما قلته آنفاً بأن السياسة اليوم تجهد في إِتْباع الأديان لها كمؤيد وداعٍ، وهذا يدفع للتعامل معها –أي مع الأديان والمذاهب والفرق– وفق ما تقتضيه مصلحتها: فالرئيس المصري صرح في يوم من الأيام بأن ولاء الشيعة في البلاد العربية لإيران، وكأنه بذلك يُحرِّض السنة في البلاد العربية على الشيعة، والملك عبد الله ملك الأردن قال يوماً: إن ثمة محاولات من إيران وسورية لتوليد هلال شيعي يغطي العراق والأردن ولبنان وسورية، وهو بذلك يبغي إثارة حفيظة السنة في هذه البلاد ضد الشيعة وهكذا... كما أن هناك محاولات من إيران لربط الشيعة في البلاد العربية بها ربطاً ولائياً على مستوى الدين والسياسة والحكم، وهذا بدوره يؤدي إلى شعور بالغربة بالنسبة للمواطن السوري السني مثلاً مع المواطن السوري الشيعي وهكذا، فكلاهما متباينان في الولاء المطلق على حد زعمهم.

أنصحكم يا أهل المذاهب بالابتعاد عن السياسة والسياسيين، والتزام الدين قانوناً ينظم علاقة الإنسان بربه وعلاقة الإنسان بالإنسان اجتماعياً واقتصادياً، وأما الجانب السياسي فإن الدين يقف حياله موقف الناصح الموجه لا أكثر ولا أقل.

مجلة أبيض وأسود: ما هو تأثير التدخلات الخارجية في الصراعات المذهبية والطائفية في العالم الإسلامي؟

الدكتور عكام: لا شك في أن التدخلات الأجنبية الأثيمة الاستعمارية تسعى إلى تفريق الصف العربي والمسلم وهذه عادتها القديمة وديدنها الحديث، فحين ترى المسلمين جاهزين للافتراق على أساس المذهبية فستغذي النعرة الطائفية والمذهبية وستسعى جاهدة لدسّ أناسٍ أو استئجار عملاء يندسون ويثيرون النزاعات ويقولون للناس: الشيعي كافر بمعايير السنة، والسني كافر بمعايير الشيعي، والصوفي كافر بمعايير السلفي، والسلفي كافر بمعايير الصوفي، فهيا جميعاً لقتال الكفار الذين يلونكم فهم أشد خطراً من الكفار البعيدين الغربيين !!

مجلة أبيض وأسود: تتوالى منذ سنوات طويلة الأحاديث عن التقريب بين المذاهب الإسلامية. ما المقصود بشعار التقريب ؟ وهل نريد تقريباً بين المذاهب أم بين أهل المذاهب ؟

الدكتور عكام: التقريب بين المذاهب شعاراً أو كشعار أمر مرفوض بالنسبة لي بل إن أنشئت له المؤسسات فهو أشد رفضاً، لكنني أدعو إلى رفع شعار الموضوعية والنزاهة في البحث والدراسة وبناء الحكم على أسس صحيحة، وإعطاء الشهادة بعدها التحقيقي، كما أدعو إلى إنشاء مؤسسات علمية متخصصة يتم انتقاء أفرادها وطاقمها على أساس من كفاءة معتبرة فيما يخص العلم أو الشأن أو الفرع أو الاختصاص الذي تم إنشاء هذه المؤسسة أو تلك لدعمه وتعميقه وتقويته.

أقول هذا: وأنا لا أعرف ماذا يعني "التقريب" الذي يطرحونه اليوم ؟ فهل تقريب يصل إلى حد "الاندماج" أو حد الاعتراف أو حد المهادنة أو حد المراوغة. دعونا يا هؤلاء من التقريب وعرفونا وعرفوا لنا "المسلم" وبينوا لنا حدوده وأبعاده، واذكروا بوضوح معاييره ومعايير الخارج عن دائرة الإسلام بعلمية وأمانة وتوثيق وتحقيق، فالأمر يحتاج إلى إعادة تحديد وتعريف وتبيان فيما يخص المصطلحات الإسلامية عامة، والمصطلحات ذات الصبغة الحساسة خاصة.

وأنا على يقين من ناحية أخرى أن أعضاء مجامع التقريب يخشى بعضهم بعضاً ويجامل بعضهم بعضاً، ويختانون فيما بينهم ويسعى كل واحد منهم –إلا من رحم ربي– إلى إيجاد المسوغات لوجوده في هذا المجلس يقولها ويذكرها ويرصفها أمام جماعته وأفراد مذهبه.. حينما يختلي بهم إنا معكم، إنما نحن مستهزؤون.

التقريب: عنوان مرفوض... فلنستبدل به "التعاون" المنصبّ على تمكين العلم والمعرفة والحوار والتقوى وخوف الله عز وجل، وحينها فما يطلبه المخلصون في التقريب ومن التقريب حاصل هنا.. فـ (اعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) ويا هؤلاء وحدوا الحبل الذي تعتصمون به وحدّدوه.

مجلة أبيض وأسود: من الواضح أن المذهبية لدينا سياسية أي المحرك الرئيسي لها هو العامل السياسي، كيف يمكن لعلماء وفقهاء المذاهب الحيلولة دون استثمار الخلافات في تأجيج المذهبية المرتكزة على قضايا الصراع السياسي؟

الدكتور عكام: أؤكد أن خلاصنا في حسر الإسلام عن رقعة السياسة، وإيضاح العلاقة بين الإسلام وبين السياسة بشكل علمي موثّق محقّق وتبيان المساحة التي يلتقي فيها الإسلام مع السياسة.

السياسة لعوب وفتانة ومخزية فلا تُدخلوا الدين في دهاليزها وسراديبها ولا تجعلوا الدين نداً لأهلها ومزاوليها بل الدين غيمة خيرة تدر على مساحة السياسة التوجيه والإرشاد، تدر عليها ضرورة الصدق والأمانة والسعي لإقامة العدل وتمتين الكرامة وتعميق الحرية وتأصيل العلاقات الطيبة القائمة على النصح والاحترام والتقدير بين الناس.

لقد تعلمنا ونحن صغار أن الملوك يحكمون الورى وأن العلماء هم الحاكمون على الملوك فما بال العلماء اليوم صاروا خداماً للملوك ومؤتمرين بأمر سياستهم ومسوغين لهم أفعالهم وأقوالهم التي لا يرتضيها الصدق وتأباها العدالة...

مجلة أبيض وأسود: يذهب بعض المثقفين إلى أن الحل هو إقامة النظام الديمقراطي القائم على المساواة في المواطنة والحقوق بعيداً عن التقسيم المذهبي والطائفي ؟

الدكتور عكام: والحل –في رأيي– يكمن في قناعة أهل الدين في هذا الذي قلته وليس في عملية إقامة نظام ديمقراطي لأننا إن أقمنا نظاماً ديمقراطياً وبقي أهل الدين على اعتقادهم بأن السياسة تشكل القسم الأهم من الدين فلن نستفيد شيئاً، بل سنزيد الطين بله.

وهنا أذكر لك حكاية خطرت ببالي وأنا أجيبك فقد ورد:

أن مريضاً نفسياً جاء يستشفي لدى ابن سينا، ومرضُه اعتقادٌ بأنه حبة قمح، وقام الطبيب بمعالجته وأقنعه بأنه إنسان وليس حبة قمح، فخرج المريض معافى على حد زعم الطبيب والمريض، ولكنه ما إن خرج حتى عاد ليقول للطبيب يا دكتور: لقد اقتنعت بأنني لست حبة قمح وهذا صحيح لكنني أسأل فيما إذا كانت الدجاجة الواقفة هناك قد اقتنعت كما اقتنعت فأقنعها يا دكتور وأنا بذمتك وداخل عليك.

أجرى الحوار: وحيد تاجا

لقراءة الحوار من المصدر، لطفاً اضغط هنا

التعليقات

شاركنا بتعليق