آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2024
عكام


خطبة الجمعة

   
حاجة الإنسانية إلى النبي الكريم

حاجة الإنسانية إلى النبي الكريم

تاريخ الإضافة: 2007/12/07 | عدد المشاهدات: 3319

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:

كان حديثنا في الأسبوع الفائت عن غايات الحج بشكل عام، وها أنذا أقول لمن نوى الحج: ضع هذه الغايات في ذهنك، والغايات هي أن تؤدّي الفريضة، أن تحصل الأجر والثواب العظيمين، أن تحصل المنافع المعنوية والمادية، أن تظهر التذلل والعبودية. هذا ما قلته لك في الأسبوع الفائت أيها المستعد للحج، وأنت أيضاً يا من لم ييسر لك أن تحج هذا العام، أتابع معك أخي، يا من تريد الحج وقد نويت واستعدَّيت، لا شك أنك حينما تذهب إلى هناك أيضاً ستزور، مَن الذي ستزوره ؟ ستزور نبينا وحبيبنا وقرة أعيننا محمداً عليه الصلاة والسلام. فإن وقفت هناك ودخلت المسجد النبوي الشريف فإني أريدك أخي الزائر لهذا النبي الكريم، السيّد السند العظيم، أريدك أن تستحضر في ذهنك حاجةَ الإنسانية إلى هذا الرسول، تذكر وحاكِ نفسك أنت تزور مَنْ ؟ تزور إنساناً، ما موقف الإنسانية معه ؟ أنت تزور إنساناً فما حاجة الإنسانية إليه ؟ تذكر حاجة الإنسانية إلى هذا الذي تزوره، ثم بعد ذلك صلِّ عليه وعاهده، واستشعر موقفك أنت بالذات منه، فما الذي يمثّله هذا النبي بالنسبة لك ؟ من أنت بالنسبة له ومن هو بالنسبة لك ؟ هل هو شخص خيالي، تستذكره في المسجد والموالد، من أجل أن تمرر بشفتيك فقط الصلاة عليه ؟ أم أنه بالنسبة لك شيء آخر ؟ حدد هذه الصلة بينك وبين المَزور الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

أخي الزائر سأفصِّل لك في حاجة الإنسانية إلى النبي الكريم:

استحضر وأنت تزور سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم حاجةَ الإنسانية إلى قدوة شاملة، وهذا النبي هو القدوة الشاملة لكل الإنسانية في كل شؤون الحياة، فقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم القدوة الشاملة بحق وجدارة، فما من مكان في الحياة، وما من تصرف يمكن أن يصدر عن الإنسان إلا وهذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقدم لهذا الذي ذكرنا قدوة تتجاوز في العظمة ما يمكن أن تتصوره في قدوة ما، وتتجاوز في الأنسبية والصلاحية لك ما يمكن أن تتصوره أنت في شخصية تصلح أن تكون لك قدوة. تذكر أخي الزائر حاجة الإنسانية إلى قدوة شاملة ﴿استجيبوا لله والرسول إذا دعاكم لما يحييكم﴾ استجابة عامة شاملة، هذا أولاً.

ثانياً: تذكر حاجة الإنسانية إلى معيار ومرجع تعاير عليه وتقايس عليه، فالإنسان بحاجة إلى منهاج ومعيار، أما المنهاج فالقرآن الكريم وأما المعيار فمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، فالإنسانية بحاجة إلى معيار، إلى أنموذج من أجل أن تعاير حالها عليه، ومن أجل أن تقايس حالها عليه، وهذا النبي هو المعيار، وهل تريدين أيتها الإنسانية معياراً أعظم من هذا الذي شهد له كل من رآه، شهد له ربه قبل كل شيء، وشهد له من معه، وشهد له من جاء بعده، وما زالت الشهادات تتوالى على أنه الأجدر من بين الإنسانية كافة من أجل أن يكون معيارها وأنموذجها الأمثل، فقد قال ربي عز وجل: ﴿فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً﴾ وقف رجل من التابعين وقد عُرف عند التابعين بفهمه للحديث النبوي الشريف، وهو وهب بن منبه، وقف هذا الرجل بعد استعراض للسيرة النبوية الشريفة وقف فقال: "إن محمداً أرجح الناس عقلاً وأفضلهم رأياً".

فيا أيتها الإنسانية ويا أيها الزائر، واسمح لي أن أخاطبك لأنك سفير الإنسانية وأنت تقف في الروض الشريف أمام حضرة النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام، وأنت تزوره استحضر حاجة الإنسانية إلى معيار وأن المعيار هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم. يروي الحاكم أن أعرابياً دخل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فخرج مسلماً فقيل له لمَ أسلمت ؟ فقال: "والله ما أمر هذا الرجل بأمرٍ قال العقل ليته نهى عنه، وما نهى عن شيء قال العقل ليته أمر به". فالإنسانية بحاجة إلى معيار وأنموذج فاستحضر هذا.

ثالثاً: الإنسانية بحاجة إلى رمز: كلنا يتحدث عن الرموز وضرورتها، وكلنا يذكر له رمزاً في مجال محدد لفئة محددة، وهذا لا غبار عليه إن كنت صادقاً في الذي تقول، أما إن كنت منافقاً أو مجاملاً فآمل أن نحيد عن جادة النفاق والمجاملة المؤدية إلى فساد التفكير إلى جادة الصراحة والوضوح والاعتقاد، لا شك أن الإنسان بحاجة إلى رمز تجتمع حوله، فاجتمعي أيتها الإنسانية حول محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فهو الأولى أن يكون الرمز العام الأعظم الذي تجتمع الإنسانية حوله. يا طلاب الرمز من أجل الاجتماع حوله، أيتها الإنسانية على اختلاف الأديان والأعراق والأجناس، أيتها الإنسانية على اختلاف التوجهات والمبادئ: أنتم بحاجة إلى رمز، ومن أفواهكم ندينكم، نقول لكم إن الرمز الجدير بالاجتماع حوله هو هذا الرجل الذي يسمى بالنسبة لغير المسلمين محمد بن عبد الله، والذي يكون بالنسبة للمسلمين رسول الله وخاتم النبيين وخير خلق الله على الإطلاق فهو رمز. اذكروا قولة علي رضي الله عنه وأرضاه عندما كان يقول: "كنا إذا حمي الوطيس، واشتد البأس، واحمرت الحدق، اتقينا برسول الله، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه".

إنه الرمز الذي يجب أن يُجتمع حوله في السلم والحرب، في البيع والشراء، في العلاقات العامة والعلاقات الخاصة، أيتها الرموز في عالمنا العربي والإسلامي اليوم أيها الحكام يا رؤساء المبادئ والأحزاب: إن كنتم رموزاً صادقين لمن يجتمع حولكم فما عليكم إلا أن تبحثوا عن رمزٍ تجتمعون حوله، لأنكم غير جديرين أن يكون الواحد منكم رمزاً عاماً لإنسانية متنوعة مختلفة، أنتم رموز في أحسن الأحوال لفئة محدودة ولكنكم والإنسانية معكم بحاجة إلى رمز عام على مستوى الإنسانية كلها، هذا الرمز هو محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي قال فيه ابن عمر رضي الله عنهما كما في سنن الدارمي: "ما رأيت أشجع وأنجد ولا أجود من رسول الله عليه الصلاة والسلام".

أيها الزائر هذا الذي تزور هو رمز الإنسانية الذي تجتمع عليه في سرَّائها وضرَّائها، في حركتها وسكنتها، في حالها ومقالها، في سلوكها وفي همودها، في كل ما يمكن أن يصدر عنها من قول أو فعل أو تقرير أو حال. هذا الكلام ليس من أجل البلاغة فحسب وإنما من أجل البلاغة والتبليغ، هذا الكلام ليس من أجل الإنشاء فحسب ولكنه من أجل الإنشاء والتأسيس، وإلا فالإنسانية اليوم تعاني من فقدان أنموذج، والمطالب من أجل تقديم أنموذج هم المسلمون، لأنهم يمتلكون هذا التقديم، أو ليس هذا الذي يؤمنون به جدير بالتقديم على أنه الرمز الأعظم للإنسانية جمعاء.

رابعاً: استحضر أن الإنسانية بحاجة إلى ضمير تستمع إليه: وهذا الضمير هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن هنا قال ربي جلت قدرته: ﴿واعلموا أن فيكم رسول الله﴾ ضمير الأمة، بل ضمير الإنسانية رسول الله فاستمعي إليه، أتريدين أن يكون ضميرك رحمة ؟ فهذا الرسول هو الرحمة: (إنما أنا رحمة مهداة) كما روى الدارمي هكذا يقول صلى الله عليه وآله وسلم وجاء في مسند أحمد: (أنا نبي الرحمة، أنا نبي التوبة).

خامساً: استحضر أيها الزائر أن الإنسانية بحاجة إلى أسوة تحبه: ولعلي بينت أن الفرق بين القدوة والأسوة أن القدوة قد اقتنعتَ بها من أجل أن تتبعها، لكن الأسوة اقتنعت بها من أجل أن تتبعها وأحببتها، فوق الاقتناع الحب، ودون الاقتناع الحب، ومع الاقتناع الحب، فالرسول أسوة، والإنسانية بحاجة إلى أسوة، فرسولنا هو الأسوة المقترح من قبل خالق الإنسان أولم يثبت أن خالق الإنسانية قال: ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً﴾.

عندما أقرأ الحديث الذي كررته أكثر من مرة أنظر إلى هذا النبي الكريم، ويا أيها الزائر استحضر هذين الحديثين، وأنت تزور هذا النبي من أجل أن تتجلى أمام ناظريك، حاجة الإنسانية إلى أسوة من أجل الاتباع، وإلى محبوب استحضر هذين الحديثين الصحيحين:

أما الأول: فاستمع يوم (وقف النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمام أصحابه وتلا قوله تعالى على لسان سيدنا إبراهيم: ﴿رب إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم﴾ ثم تلا قوله تعالى على لسان عيسى بن مريم: ﴿إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم﴾ ثم بكى رسول الله، فقال الله يا جبريل اذهب إلى محمد – وربك أعلم – فذهب جبريل وقال ما يبكيك ؟ فقال رسول الله: أمتي، أمتي. فقال جبريل: أمته يا رب ، فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد وقل له: سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك).

أما الحديث الآخر والذي جاء في صحيح الإمام مسلم عندما وقف النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: (لكل نبي دعوة مستجابة دعاها لقومه في حياته، وإني اختبأت دعوتي شفاعتي لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة من مات منهم لا يشرك بالله واليوم الآخر).

أيها الزائر: استحضر حاجة الإنسانية إلى قدوة شاملة، واستحضر حاجة الإنسانية إلى رمز تجتمع الإنسانية حوله، واستحضر حاجة الإنسانية إلى معيار وأنموذج، واستحضر حاجة الإنسانية إلى ضمير، واستحضر حاجة الإنسانية إلى أسوة. فإن استحضرت هذا فقل في النهاية: الصلاة والسلام عليك يا سيدي يا رسول الله، الصلاة والسلام عليك أيها القدوة، الصلاة والسلام عليك أيها المرجع والمعيار، الصلاة والسلام عليك أيها الرمز العظيم، الصلاة والسلام عليك أيها الضمير، الصلاة والسلام عليك أيها الأسوة. صلِّ عليه، أكثر من الصلوات الإبراهيمية، ثم بعد ذلك قل له وأنصحك بذلك قل له: أعاهدك يا أيها القدوة، يا أيها المعيار، يا أيها الرمز، يا أيها الأنموذج، يا أيها الضمير، يا أيها الأسوة، أعاهدك على أن أكون تابعاً وفياً لك، أعاهدك على أن أتحقق بقول الله عز وجل: ﴿فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً﴾ أعاهدك على أن أكون التابع الصادق الأمين المحب الذي يفتديك ويفتدي شريعة أُنزلت عليك.

الصلاة والسلام عليك يا رسول الله، وكن لنا يا أيها الكريم، يا رسول الله، كن لنا شفيعاً عند الله، يوم نقف وتنجدنا أنت بفضل الله ومنِّه وكرمه، بشفاعة تعطاها، تسمى الشفاعة العظمى. أقول هذا القول وأستغفر الله.

ألقيت بتاريخ: 7/12/2007

التعليقات

شاركنا بتعليق